
في اكتشاف فلكي حديث يحمل أهمية علمية كبرى، كشفت وكالة ناسا عن أسرار جديدة للنجم العملاق الغامض Wd1-9 باستخدام مرصد شاندرا للأشعة السينية. هذا النجم يقع داخل العنقود النجمي Westerlund 1، أحد أكبر العناقيد النجمية وأكثرها كثافة في مجرتنا درب التبانة، وعلى بُعد يقارب 13,800 سنة ضوئية من الأرض. يعد Wd1-9 من أكثر النجوم المثيرة للجدل بين علماء الفلك، بسبب غموض طبيعته وتراكم الغبار الكوني حوله، ما جعل تحديد خصائصه أمرًا صعبًا لسنوات. لكن باستخدام بيانات الأشعة السينية التي توفرها تقنية مرصد شاندرا، تمكن العلماء من تحليل انبعاثات غير مسبوقة تؤكد أن Wd1-9 ليس نجمًا منفردًا، بل نظام ثنائي معقد يُظهر تفاعلات ديناميكية فريدة من نوعها. هذه النتائج قد تغيّر من فهمنا لكيفية تطور النجوم العملاقة وتفاعلاتها داخل بيئات كثيفة كالعناقيد النجمية.
Wd1-9: نجم فريد داخل عنقود Westerlund 1
يُعد Wd1-9 من النجوم النادرة ذات الطيف B(e)، ويتميز بخطوط انبعاث قوية وظاهرة تُعرف بخطوط بالمر، بالإضافة إلى إشعاعات تحت حمراء واضحة تشير إلى وجود غلاف نجمي كثيف. يقع هذا النجم ضمن عنقود Westerlund 1، الذي يُعد موطنًا للعديد من النجوم العملاقة الفائقة والنجوم الفريدة مثل نجوم وولف-رايت. ما يميز Wd1-9 هو تراكم الغبار حوله، مما جعله محاطًا بهالة تحجب الكثير من تفاصيله، وهو ما أدى إلى صعوبة دراسته عبر الأطوال الموجية العادية. مع ذلك، أشارت تحليلات مبكرة إلى أنه قد يكون نجمًا منفردًا عملاقًا أو جزءًا من نظام ثنائي نشط، لكن لم يكن هناك تأكيد قاطع إلى أن تدخل الأشعة السينية وتغيّر المعادلة بالكامل.

فيسبوك يحتفل بعيد ميلاده الـ21.. كيف أصبح عملاق التواصل الاجتماعي؟

أول طائرة شحن بدون طيار تعمل بالليزر في العالم

واتس آب يقدم ميزة إشعارات الرسائل غير المقروءة
مرصد شاندرا يكشف إشارات سينية غير مألوفة
استخدم العلماء مرصد شاندرا التابع لوكالة ناسا لالتقاط إشارات Wd1-9 في نطاق الأشعة السينية، وظهرت نتائج مفاجئة. أظهرت البيانات انبعاثات دورية منتظمة للأشعة السينية، وهو أمر نادر الحدوث في هذا النوع من النجوم. وحدد الفريق دورة مدارية تبلغ 14 يومًا، ما يدل على أن النجم ليس وحيدًا بل يُشكّل جزءًا من نظام ثنائي. الأكثر إثارة، أن التحليل الطيفي كشف عن خطوط انبعاث لعناصر مثل السيليكون، الكبريت، الأرجون، وحتى الحديد بطاقة 6.7 keV، وهو مؤشر على وجود تفاعلات طاقية عالية بين مكوني النظام. هذا النوع من الانبعاثات يُلاحظ عادة في أنظمة وولف-رايت الثنائية، مما يدعم الفرضية الجديدة حول طبيعة Wd1-9.
نظام ثنائي مع تفاعل عنيف بين مكونين نجميين
من خلال تتبع تغيرات الانبعاثات السينية عبر الزمن، تمكن العلماء من رسم صورة أوضح لطبيعة Wd1-9، حيث تبين أنه نظام ثنائي شديد التفاعل. يتكون النظام من نجمين عملاقين يتبادلان المادة ضمن غلاف نجمي مشترك، مما يُنتج حرارة وضغطًا هائلين في نقاط التفاعل، وينتج عن ذلك انبعاثات سينية قوية. هذه التفاعلات تشبه إلى حد بعيد ما يحدث في أنظمة وولف-رايت، لكنها في Wd1-9 تأخذ طابعًا أكثر حدة وغموضًا. ويرجّح العلماء أن هذه الديناميكيات الداخلية قد تكون مرحلة انتقالية في تطور النجوم العملاقة قبل تحولها إلى مستعرات عظمى أو ثقوب سوداء، وهو ما يجعل دراسة هذا النظام ذات أهمية بالغة لفهم مراحل الحياة النجمية.
تحليل الطيف ودلالاته الفيزيائية
عند تحليل الطيف الناتج عن انبعاثات Wd1-9، اكتشف الباحثون خصائص حرارية دقيقة تكشف عن تغيرات في درجات حرارة البلازما الناتجة عن الاصطدام بين الرياح النجمية. هذا التحليل أظهر أن درجات الحرارة تتغير بمرور الوقت ضمن الدورة المدارية، مما يعكس ديناميكيات غلاف النجم الثنائي وتأثير تبادل الكتلة بين النجمين. كما تم رصد خطوط انبعاث نادرة لعناصر ثقيلة، ما يشير إلى عمليات نووية تحدث في الطبقات الداخلية للنجمين. هذه البيانات لا تُظهر فقط طبيعة التفاعل بل تعطي أيضًا تصورًا عن الكتلة، درجة التطور، والعمر الزمني للنظام، ما يمكّن علماء الفلك من إدراج Wd1-9 كنموذج لدراسة تطور النجوم الضخمة في مراحلها النهائية.
أهمية Wd1-9 في فهم تطور النجوم العملاقة
تمثل نتائج دراسة Wd1-9 خطوة مهمة نحو فهم كيفية تطور النجوم العملاقة في بيئات معقدة. على عكس النجوم الشمسية التي تموت بهدوء، تنتهي حياة النجوم العملاقة غالبًا بانفجارات هائلة تؤدي إلى تكون مستعرات عظمى أو ثقوب سوداء. فهم هذه المرحلة يتطلب مراقبة دقيقة للظواهر الفيزيائية المصاحبة لتطور النجم، وهو ما توفره بيانات مثل تلك التي تم رصدها من Wd1-9. ويأمل العلماء أن يساعد هذا النموذج في تطوير نظريات حول انتقال المادة والطاقة بين مكونات الأنظمة الثنائية، بالإضافة إلى تأثير ذلك على البيئة المحيطة داخل العناقيد النجمية الكثيفة، ما يُثري الأبحاث المتعلقة بالموجات الثقالية والانفجارات الكونية.
ما الذي ينتظر Wd1-9؟ سيناريوهات مستقبلية
نظرًا لتركيب Wd1-9 كثنائي نشط، فإن مصيره النهائي مثير للاهتمام. تشير التحليلات إلى احتمال كبير بأن النظام سيتحول مستقبلًا إلى مستعر أعظم ثنائي، أو إلى ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما. وقد يكون هذا النجم مرشحًا لإنتاج موجات ثقالية عند انهيارهما، وهو ما يجعل تتبعه في السنوات القادمة أولوية لدى الوكالات العلمية. أيضًا، تشير النماذج النظرية إلى أن استمرار فقدان الكتلة بمعدل عالٍ قد يؤدي إلى تدمير الغلاف النجمي، مما يجعل الانفجار النهائي أكثر عنفًا. وإجمالًا، فإن رصد تطور هذا النجم بمرور الوقت سيساهم في تعزيز فهمنا للكون، وربما يساعد في التنبؤ بأحداث كونية كبرى.
ختامًا: Wd1-9 نجم يكشف ألغاز الكون
تُعد دراسة Wd1-9 مثالًا رائعًا على كيف يمكن للتقنيات الحديثة مثل مرصد شاندرا أن تكشف أسرارًا لم تكن ممكنة بالماضي. من نجم غامض محاط بالغبار إلى نظام ثنائي ديناميكي يفيض بالطاقة، يمثل هذا الاكتشاف قفزة في مجال الفيزياء الفلكية، ويُفتح الباب أمام مزيد من الاكتشافات حول تطور النجوم العملاقة. ومع استمرار تحليل بياناته، قد يحمل Wd1-9 مفاتيح لفهم أعمق للمستعرات العظمى، الثقوب السوداء، والموجات الثقالية، مما يجعله واحدًا من أهم النجوم التي ستبقى تحت المراقبة العلمية في السنوات القادمة.