برغم الظروف

برغم الظروف

حبي ليك ما كانش معجزة، المعجزة إن أنا بطلت أحبك.

الصبح يا أمي، أنا همشي، همشي من المدينة كلها، هروح لمكان ما أعرفش حد ولا حد يعرفني، مش عارف هكون كويسة ولا لأ، كل اللي أنا أعرفه إن أنا تعبت، عمالة أهرب من الماضي إللي بيجري ورايا، ومش قادرة أجري منه، بيقطعني وبيأكل من جسمي كل يوم، الصبح بيكون حرب جوايا، كل يوم الصبح ما ببقاش قادرة أقوم من على السرير عشان أواجه الدنيا بكل إللي فيها، قد إيه نفسي أقولك كل حاجة جوايا، بس ما أقدرش، كل إللي لازم تعرفيه إني بتوجع، ومش هفضل قاعدة هنا، لازم تسيبيني عشان أدور على نفسي.

قد يعجبك ايضا
قصص قصيرةقصه سيدنا نوح

قصه سيدنا نوح

مقدمة عن سيدنا نوح سيدنا نوح عليه السلام واحد من أعظم الأنبياء اللي ربنا اصطفاهم علشان يهدوا البشر. قصته ما...

توقيع: بنتك الموجوعة.

سلمى

الساعة 5:00 الصبح، قاعدة في المطار بشرب القهوة بتاعتي، قهوة فرنسية مش سخنة ولا باردة، كده كده مش هسيبها حتى لو كانت باردة، عمالة أبص على وشوش المسافرين، في منهم إللي متحمس وفرحان، في منهم الحزين، وفي إللي متبلد من المشاعر، مش قادرة أفهم من وشه حاجة.

لسه باقي وقت على طيارتي وما فيش حد بودعه، مش عارفة أنا متحمسة وفرحانة ولا زعلانة على إللي هسيبه ورايا، ولا أنا متبلدة زي إللي شفتهم، ويمكن حد قاعد بيشرب القهوة بتاعته وبيبص على وشي، وهو كمان ما يعرفش أنا حاسة بإيه، مش عارفة.

 بس القهوة دي فعلاً طعمها وحش جداً، يمكن كل حاجة في البلد دي وحشة، ولا أنا إللي ما بقيتش أحب أي حاجة هنا.. مش عارفة.

مستنية أمي تصحى وتصلي الفجر، وكالعادة تدخل أوضتي عشان تطمن عليا أنا كويسة ولا لأ، وتغطيني كويس، مستنية إنها تروح وما تلاقينيش، وتتصل بيا وهي مرعوبة عشان تسألني أنا فين وكويسة ولا لأ.

هي فاكرة طالما أنا في أوضتي يبقى أنا كده كويسة، لكن أنا أصلاً كنت بقعد أعيط وأعمل نفسي نايمة عشان ما أزعلهاش عليا، هي بس لو كانت عارفة إن أنا ما كنتش كويسة دي فترة كبيرة، أنا مستنية إنها تزعل مني عشان ما قلتلهاش إني هسافر… 

الساعة 9:00 الصبح، سمعت هتاف من المايك بينادي على المسافرين للطيارة بتاعتي عشان يتوجهوا ليها، جسمي اترعش، دي الطيارة بتاعتي، هو أنا فعلاً همشي؟ همشي دلوقتي؟ لا، استنوا كمان خمس دقايق، طب هو أنا يمكن أكلم أمي وأعيط وأقول لها إن أنا خايفة؟ لقيتها بتتصل.

عملت نفسي مش متوترة ومش خايفة، وهي بتقولي:

أنا بحبك وبثق فيك، ما تقلقيش، كل حاجة تكون كويسة، خدي بالك من نفسك يا حبيبتي.

ثانية واحدة، دي ما شتمتنيش وما زعقتش بغضب، ما أعرفش أنا حسيت بإيه وقتها، بس عيطت، عيطت إن أنا هسيبها وهسيب حضنها، عيطت عشان هيوحشني خناقنا، عشان أوضتي المتكركبة، وهدومي إللي مرمية في كل حتة، عيطت عشان هيوحشني أوضتي ومكتبي والبيت وأمي.

ركبت الطيارة وأنا ما أعرفش أنا كده رايحة أعمل حياة جديدة هتخليني أسعد ولا أنا بضيع نفسي.

الساعة 8:00 الصبح (وطبعاً في فرق توقيت لأن الساعة 9:00 في مصر)، في بيت من دورين، وحواليه الجنينة، بيت فخم وجميل، وفي مكتبة كبيرة مليانة كتب، وفي كوباية جواها شوية خمرة، في الدور إللي فوق، في أوضة لونها أبيض وعليها رسومات بتاعة رسام مشهور اسمه فان جوخ.

بيصحى عمر، شاب عنده 30 سنة، أبوه مصري وأمه من بريطانيا، شعره بني فاتح وعينه زرقاء، أغلب لبسه لونه أسود، وبيحب الكتب والأغاني والتمثيل، جسمه مظبوط، وده كلام البنات إللي كان بيخرج معاهم.

المنبه بيرن، بيحاول يقفل المنبه بس مش بيطوله، فبيضطر يحط مخدة على وشه عشان ما يسمعش صوته ويكمل نوم.

بعد شوية، بيقوم مخضوض بيدور على تليفونه، بيلاقيه على الأرض جنب كتاب إسمه “البؤساء”، وهو كتاب فرنسي، أصل عمر معاه لغتين، فرنسي وبريطاني، وبيعرف يتكلم بيهم كويس جداً، بص للكتاب وقال:

Yes, good morning to you too, love.

نعم، صباح الخير لك أيضاً يا حبيبي.

بيقف قدام المراية، بيبص على وشه، وبعدين بياخد هدومه وبيروح الحمام عشان ياخد شاور، بيرن تليفونه وبيرد: أيوه، صحيت، مش هتأخر على الاجتماع، ما تقلقيش. 

لا، أنا مش سكران طبعاً، إهدي بس، مش هتأخر، هوصل الإجتماع في ميعاده بالظبط، سيبيني بس أخلص لبس، ماشي، باي باي.

ده أول أسبوع لعمر في الشغل بعد أكتر من ثلاث سنين عمال رايح هنا وهنا، ويسافر من بلد لبلد وخمرة وستات وحياة بايظة خالص، هو أكيد مش محتاج يشتغل عشان أبوه عنده أكبر شركات في لندن، لكن علاقته مع أبوه وحشة، وحشة جداً.

وإللي مخليه بيشتغل مع أبوه إن أبوه بيدير الشركات العربية، وسايب له هو الشركة إللي في لندن، ليه وللسكرتيرة إللي كانت شغالة بداله كل السنين إللي فاتت، وطبعاً، هي أقرب صاحبة ليه، هي بنت، أمها من لبنان وأبوها من بريطانيا.

صاحبة عمر من وهم عيال، علاقتهم مش مفهومة، بس قوية وكويسة جداً، ومع بعض، يقدروا يتحدوا أي حاجة، وتعتبر دي الوحيدة إللي ما سابتش عمر من يوم ما عرفوا بعض، ولا هو كمان سابها.

عمر بيوصل متأخر زي عوايده، بيلاقي ليلى في وشه، دماغها هتولع من العصبية، وهو مش قادر ينطق بحرف، بيبصلها بس بعينيه وبيعتذر بيهم عشان يصعب عليها، بس ليلى ما سكتتش، ضربته في كتفه وقالت:

هو ده إللي مش هتأخر؟ أنا مش كلمتك وقلت خلاص أنا نازل؟

عمر: أنا جيت في معادي، هم إللي جايين بدري.

ليلى: عمــررر.

عمر: خلاص ماشي، اتأخرت، بس مش كتير، ولو قعدتي تهزقيني كده هنتأخر أكتر، يلا، امشي.

بعد الإجتماع، بيروح عمر المكتب بتاعه، وبيطلب قهوة ليه وقهوة لليلى، وقاعد مستنيها.

بتدخل ليلى وهي مصدعة بسبب الإجتماع إللي استمر أربع ساعات متواصلة.

ليلى: عامل إيه؟

عمر: الحمد لله، إنتِ عاملة إيه؟

ليلى: وحشتني والله.

عمر: يا بنتي إنتِ ما بتزهقيش مني؟ إحنا مع بعض من وقت الحضانة.

بتضحك ليلى وبتحدفه بكتاب لقيته على المكتب قدامها وبتقوله: مين إللي قال لك إني زهقت؟ إنت أخويا وعمري ما أزهق منك.

بيبتسم عمر وبيحدفها بنفس الكتاب، بتصوت ليلى وبتقول: عمر، هتبهدلي شعري!

عمر بيحب كلامه مع ليلى وقد إيه بياخد راحته في الكلام معاها، ممكن يتكلم بالفرنساوي، والبريطاني، والمصري، واللبناني، ويقدر يتكلم بأي حاجة وأي طريقة تعجبه، مش لازم يتكلم برسمية.

ليلى: عمر.

عمر: نعم؟

ليلى: هتفضل على الحال ده لحد إمتى؟ أنا عارفة إن إللي حصلك صعب، بس تقريباً جه الميعاد إللي لازم تتكلم وتواجه، مستني إيه؟ سيبك من الهروب، إنت بتهرب من مين؟ من نفسك ولا من إللي حواليك؟

عمر: ليلى…

ليلى: أنا عارفة إنت هتقول إيه، هتقول مش بمزاجي ومش عارف.

عمر: لا يا ليلى، أنا محتاج حد يطلعني من إللي أنا فيه، بس مش عارف، ممكن تساعديني؟

بتقوم ليلى وبتحط إيديها على دماغ عمر وبتقول: مالك يا عمر؟ إنت سخن؟ إنت بتطلب بنفسك إني أساعدك؟ إنت كويس؟

عمر بعصبية: ليلى.

ليلى: خلاص خلاص، ماشي.

عند سلمى: أنا لوحدي، لوحدي جداً، بحب أكون لوحدي وبتبسط أكتر مع نفسي، الطيارة خلاص كانت نازلة، كنت عارفة واحدة صاحبتي قاعدة في بريطانيا اسمها روز،  بنت عندها 25 سنة، أبوها مصري وأمها من بريطانيا، وهي مستنياني هناك، أعتقد هنام شوية عشان الوقت يعدي بسرعة.

بعد ساعة، الطيارة وصلت، هنخرج منها دلوقتي، كل الناس نزلت من الطيارة وأنا قاعدة، مش عارفة هو أنا خايفة ولا لزقت في الكرسي بتاعي عشان آخر حاجة هتفكرني بالوطن بتاعي هي الطيارة دي إللي جابتني منه، هو أنا لو عيطت وقلتلهم ودوني لأمي، هيتريقوا عليا؟ ما أعرفش والله، بس بجد خايفة.

قعدت أكلم نفسي وأهون عليها وأحاول أضيع التوتر، قعدت أقول: ما تقلقيش يا سلمى، إنتِ قوية يا سلمى، يلا قومي، بصي حواليكي ناس ولا يعرفوكِ ولا تعرفيهم، عندهم لغة غير لغتكِ وعادات غير عاداتكِ، يلا قومي عشان تستمتعي بتجربتك الجديدة.

شفت شاب شعره بني فاتح وعينيه زرقاء، شايل ورقة مكتوب عليها إسمي، قولت: والله، ده إسمي، بس أكيد الشخص ده مش روز، وقفت قدامه وأنا عمالة أبص عليه زي العبيطة، شوية أبص على الورقة إللي مكتوب عليها اسمي، وشوية أبص عليه، لقيته بيبتسم لي وبيقول: روز وريّتني صورتك عشان لما أشوفك أعرفك، بس إنتِ شكلك في الحقيقة أحلى بكتير من الصور.

إبتسمت وقلتله: تشرفنا، وسألته عن روز، وقالي: إن حصل لها ظرف طارئ فما قدرتش تيجي وتستقبلك، بس أنا صاحبها المقرب وبعتتني، واستغرب جداً إني ما سألتوش إسمه إيه، قلتله: إن أنا بنسى أسأل الناس اسمهم إيه. 

فقال: إسمي مصطفى.

ولما شاف على وشي علامات الإندهاش، كلمني باللهجة الفلسطينية وقال لي إنه فلسطيني بس عايش هنا بقاله كتير واتعرف على روز في مصر لما كان بيزورها.

فرحت قوي لأن دي أول مرة أشوف فيها حد من فلسطين، وهو إستغرب جداً إن عمري ما سافرت، لكن بتكلم إنجليزي كويس جداً، إبتسم لي وقالي بلهجة فلسطينية: نورتي بريطانيا.

وصلنا للبيت واتكلمنا كتير أوي، ولما كنا بنسكت كنت بتفرج على كل حاجة هنا، على شكل الناس، على المحلات، على البيوت، كل حاجة هنا مختلفة فعلاً، وصلني للبيت إللي أجرتهولي روز.

كان بيت كبير، قدامه جنينة تحفة مليانة ورد، أنا بحب الورد جداً، روز أصلاً شغالة سمسارة، بس بجد شاطرة أوي في شغلها، بتخليك تدفع الفلوس وإنت مش مستخسر، بتعرف الشخص بيحب إيه وبتضيف للبيت لمسات بسيطة بتخليه يتعلق بالبيت وبتبيعه.

كنت عاملة زي العبيطة وأنا عمالة أجري بحماس وأتنطط، كان البيت زي ما بشوف في الأفلام، كان بيت أحلامي، كنت عايزة أتصور مع كل حتة في البيت عشان أوريها لأمي.

مصطفى كمان كان بيضحك على منظري وهو بيتفرج عليا وساكت، ما اهتمتش ليه، ودخلت أتفرج على البيت من جوه، كانت ألوانه تحفة، وطلعت الدور الثاني لقيت باب مكتوب عليه:

The best view

أفضل منظر

دخلت وأنا متحمسة أشوف إيه إللي جوه، لقيت سرير لونه أبيض وكبير، والدولاب كمان، والسقف لونه أزرق وفيه نجوم، ولقيت مكتبة مليانة كتب وورقة متعلقة على المكتبة من روز بتقول: أنا عارفة إنك أكيد جبتِ الكتب إللي بتحبيها معاكي.

مصطفى طلعلي الشنط بتاعتي وقالي إن البيت تحفة، وأنا شكرته على كل حاجة عملها عشاني، واستأذن مني عشان يمشي، بس قال إننا هنتقابل النهارده بالليل أنا وهو وروز عشان يحتفلوا بيا في البلد دي.

وأول ما مشي، قعدت أغني وأرقص وأتنطط بصوت عالي وأنا مبسوطة، حاسة إني اتحررت من كل أوجاعي، دخلت أستحمى وشغلت قرآن بصوت عالي.

أول ما خرجت من الحمام طلعت طقم وقلت إني مش هقعد في البيت في أول يوم ليا، لازم أطلع وأتفرج على الدنيا والناس إللي بره.

حاولت أعلّم البيت بتاعي بحاجة عشان أعرف أرجع، بس أنا ذاكرتي ضعيفة جداً، عندي الذاكرة سمكية، وأمي كانت بتناديني بسُها من كتر ما أنا بنسى ومش بفتكر.

الهواء هنا نضيف، مختلف، بيخلي الإنسان يستنشق بكل قوته، فضلت ألف لحد ما لقيت كافيه، قعدت وشربت قهوة كانت كويسة جداً، وقررت إنه يكون هو ده المكان المحبب إللي هقعد فيه على طول.

وأنا قاعدة بشرب قهوتي، خدت بالي من شاب شايل كتاب اسمه “كافكا على الشاطئ”. الشاب كان شعره أصفر، لابس بنطلون وايد ليج، والتيشيرت أبيض، وقدامه قهوة.

مش عارفة أنا حبيته ولا حبيت الكتاب إللي في إيده، أنا أصلاً بنت بتكسف بسرعة وما بحبش أخلي شاب يحس إني مهتمة بيه أو معجبة بيه، بس قعدت جنب الترابيزة بتاعته وخرجت مذكرتي، وقدرت ألفت نظره ليا، إبتسم لي، إبتسمت له.

الشاب: أهلاً، إنتِ قلتي لي اسمك إيه؟

سلمى: سلمى، إسمي سلمى.

من أول ما اتكلمت، عرف إني مش من بريطانيا، عشان أنا بتكلم أمريكي مش بريطاني، وما استغربتش إني أعجبت بالراجل ده عشان بيتكلم بريطاني وشايل كتاب كافكا.

كان ذوق جداً، كان بيحاول يتكلم معايا بالأمريكي، كنت بحاول ما أبصش في عينيه، بس هو كان طريقته تحفة، تخلي أي حد من غير ما يحس يبص في عينيه، عينيه جميلة جداً.

حسيت إني تعبانة واستأذنت منه إني هروح عشان عايزة أنام شوية، طلب إنه يوصلني، حسيت إن الموضوع غريب بالنسبالي ومخيف، بس كنت عارفة إنهم عندهم الكلام ده عادي، وقالي إننا هنكون صحاب مع الوقت، وقال: إللي يحب كتابي يبقى صاحبي.

مشيت معاه، وأنا مش فاكرة فعلاً البيت كان فين، عمالة أحاول أفتكر، فجأة، وقفت عند بيت وشاورت عليه وأنا بقول: هو ده البيت، ما طلبش رقمي، بس اداني الكتاب بتاعه وكتب عليه: لو عجبك كتابي كلميني.

كنت مؤمنة بمقولة “إنك إن تريد أن تعرفني اقرأ كتابي المفضل”.

أكيد هو شبه الكتاب إللي كان شايله، وإلا ما كانش هيقولي كده.

دخلت البيت، لقيت روز بتشرب خمره تقريباً وكانت قلقانة عليا، قلت لها إني إتعرفت على شاب في الكافيه، سألتني إسمه إيه؟ ما أعرفش، ما سألتوش، أنا لازم أفتكر إني أسأل الناس اسمهم إيه.

روز: book nerds مهووسو الكتب.

حسيت إن روز مش كويسة، بس ما كانش عندي طاقة أسألها، حسيت إني هنام وأنا واقفة، وابتسمت لما إفتكرت الشاب ده، يا ريتني كنت عارفة اسمه بجد، روز قالت إنها هي ومصطفى هيحتفلوا بيا بكرة، وقالت إني لازم أنام دلوقتي، بس أنا أصلاً كنت نمت على الكنبة.

صحيت تاني يوم لقيتني متغطية، وفي ورقة جنبي مكتوب عليها:

Good morning sunshine

صباح الخير يا شمس.

إبتسمت وصحيت وأنا كلي حيوية ونشاط، بقالي سنين ما صحتش بالحيوية دي.

كالعادة ما بعرفش أعمل قهوة، عملت قهوة تقرف ما حدش يشربها غيري، بعدين رحت الحمام غسلت وِشي واستنيت رز ومصطفى، ومش قادرة أبطل تفكير في الشاب إللي قابلته إمبارح، في الكتاب بتاعه، كإني نِمت وصِحيت ما عنديش حاجة أفتكرها غيره، كإني سلمى جديدة، كنت حاسة بفرحة كده من جوايا عشان بقى لي سنين قوي ما حسيتش إني كويسة قد دلوقتي.

بُصيت على الشنطة بتاعتي لقيت جنبها كتاب الشاب إللي لحد دلوقتي ما أعرفش إسمه، ما أعرفش أعمل إيه: أروح الكافيه تاني ولا أقرا الكتاب الأول؟ بس أنا حاسة إن بطني وجعاني من التوتر، كل ما أفتكره حاسة بإحساس جديد كده، بس إحساس حلو برضو عشان أكون صادقة.

دخلت أستحمى بشاور سخن عشان أهدى من التفكير فيه شوية، خرجت من الحمام وأنا بفكر هلبس إيه النهارده، أنا مش محجبة، لكن لبسي محترم، مش بحب ألبس مكشوف ولا ضيق، ما كنتش عايزة أغير طريقة لبسي عشان خرجت من بلدي، لقيت تليفون البيت بيرن، أنا ما أعرفش حد هنا، مين هيكون بيتصل بيا؟ يمكن البيت ده كان لسفاح ساكن هنا قبلي، واللي بيتصل ده ضحية عايزة تنتقم منه، سلمى، هو في حد هيتصل بحد عشان يقول له إنت موجود ولا لا عشان أقتلك؟ كفاية عبط!

رديت، لقيت حد بيقول:

سلمى؟

ده صوت الشاب المجهول، بس ما كنتش متأكدة أوي، رديت:

أيوه، مين معايا؟

الشاب: إيه رأيك في الكتاب بتاعي؟ عجبك؟

سلمى: إنت عرفت منين رقم البيت بتاعي؟ أنا نفسي ما أعرفوش!

الشاب: مجرد ما الواحد يعرف عنوان البيت كل حاجة بتكون سهلة.

سلمى: طيب، اسمك إيه بقى؟

الشاب: عمر.

سكت شوية، ما كنتش عارفة أرد، بس حبيت اسمه قوي. وكان عمر أول راجل يخليني أتكِسف وأتوتر، حسيت حتى إني عبيطة.

وقبل ما أَسرَح، خرجني من أفكاري وهو بيقول بطريقة بتخلي قلبي يسيح:

أنا قدام الباب.

سبت التليفون وطلعت أجري على بره، فتحت الباب لقيته قدامي فعلاً، وكان شايل كتب كتير، في منهم العربي والإنجليزي، كنت مستغربة وعمالة أبص له وأنا ساكتة، قرب مني وقال:

سلمى، هتقدري تشيليهم ولا إيه؟

قلت بتوهان من غير ما أحس بكلامي:

ولا إيه، هتشيلهم إنت، يا بخت الكتب.

عمر قعد يضحك جامد، وبعدين قال:

طيب، واضح إن أنا إللي هشيلهم.

وفعلاً شالهم ودخلهم جوا، وأنا واقفة بفكر أعمل إيه دلوقتي: أرمي نفسي قدام عربية عشان أموت، ولا أدعي ربنا إن الأرض تتشق وتبلعني؟ أنا عملت إيه دلوقتي؟ قلت إيه؟ إزاي أقول كده؟

قطع تفكيري صوته وهو بيقول:

بيتك مريح قوي للعين، وفي راحة نفسية غريبة، زيك بالظبط.

اتكسفت، وبعدين افتكرت إنه ما ينفعش يكون هنا في بيتي وأنا لوحدي، بس فعلاً، كل حاجة جوايا بتخليني أحس إني مطمئنة وهو جنبي.

فجأة لقيتني بسأله عايز يشرب قهوة ولا لأ، بس والله كنت ناوية إني أشكره على الكتب وأقول له إنه لازم يمشي عشان أنا لوحدي، أنا أصلاً ما بعرفش أعمل قهوة.

سلمى: دي أول مرة هعمل فيها قهوة وحد غيري هيشربها. أنا شايفة إنك تهرب عشان القهوة بتاعتي بجد وحشة جدًا.

فجأة لقيته بيقلع الجاكيت بتاعه، حسيت إن قلبي هو إللي بيتقلع من مكانه، قرب مني عشان يساعدني في عمل القهوة. كان لابس تيشرت أزرق زي لون عينه، هو المفروض يكون حلو أوي كده؟

وقف هو في المطبخ يعمل القهوة كأنه بيعمل لوحة فنية مش مجرد فنجان قهوة، وكان أحسن فنجان قهوة أنا شربته في حياتي. كان مستني أقول رأيي، كأننا في مسابقة مين بيعمل أحسن قهوة وأنا إللي هقرر، لما شاف شكل وشي بعد ما أخدت أول شفطة من فنجان القهوة، ما استناش رأيي وعرف من عيني إنه كسب.

ما كنتش قادرة أسأله عن أي حاجة، كنت خايفة أوي من الردود، كنت عايزة أسأله عنده كام سنة ودينه إيه وشغال إيه، بس كنت خايفة إن كل اللي بينا يخلص مجرد ما يرد عليا وأعرف حاجة ما كانش المفروض أعرفها،  قلت لنفسي الصمت هيكون أفضل، وما كانش هو رغاي، كان كلامه في سكوته، حبيت قوي الموضوع ده. حبيته هو شخصيًا، إزاي حد يحب حد من سكوته؟

روز جات هي ومصطفى، شافوا عمر وهو بيشرب القهوة عندي، وكنت أنا ماسكة كتاب وأنا بشرب قهوة برضه. حسيت إني مكسوفة شوية، بس أنا مش مهتمة بجد، تعرفوا على بعض، وحسيت إن في تنشنة بين مصطفى وعمر، ما كنتش عارفة إيه السبب، مصطفى سأله دينه إيه، وأنا فرحت قوي إن حد غيري سأله السؤال ده وسأله بدالي، لأني كنت عندي فضول أعرف.

بس عمر رد عليه وقال له إنه لما يعرف دينه مش هيستفاد حاجة، وإن دينه لله، وإنه ما بيحبش العنصرية والأسئلة دي. حسيت إن عمر أحرج مصطفى، وحمدت ربنا إن أنا ما سألتوش، بس في حاجة جوايا كانت بتقول لي إن لو أنا كنت سألته، ما كانش هيحرجني بالطريقة دي.

عدى شهر دلوقتي، تقابلت أنا وعمر كتير قوي، كنا بنشرب القهوة مع بعض، ما كنتش عارفة أنا بعمل إيه بجد، أنا أصلاً هربانة من حب اتجرحت فيه عشان أجي هنا وأحب تاني؟

لا، والمرة دي إيه؟ حب مستحيل، بس ما كنتش عارفة هو مستحيل قوي ولا ممكن، إللي مضايقني إن أنا حتى مش قادرة أختار أكمل ولا أبعد، أنا بس بحب أشوفه، بحب أخليه يضحك، بحب لون عينه، في حب من أول نظرة، بس ما فيش حب من أول كتاب، لكن أنا إخترعت الحب ده.

أنا لازم دلوقتي أدور على شغل، أنا دكتورة نفسية، بس طبعًا في البلاد الأوروبية مش بيعترفوا بالشهادات العربية، فما عنديش مشكلة لو اشتغلت أي حاجة عشان خاطر أنا محتاجة فلوس، وأنا مش هضرب الأرض هتطلع فلوس.

واكتشفت إني ما بعرفش أزرع، عشان الورد إللي كان في الجنينه بقى دبلان، هو لازم نهتم بالحاجة عشان ما تموتش. روز جت واتعصبت وزعقت لما شافت الورد، لدرجة إنها كانت هتعيط، حسيت بالذنب وقد إيه روز دي إنسانة حساسة ورحيمة حتى بالزرع.

جت وسابت لي قزازتين بيرة، هي هتشربهم لما تيجي تاني. أيقونة من الجمال: شعرها أصفر، جسمها متناسق، عينيها خضراء، قلت لها إن أنا عايزة أشتغل، قالت لي إنها هتدور لي على شغل كويس.

عمر ما اتصلش بيا النهارده خالص، فعرضت على روز نروح الكافيه نشرب قهوة ونتكلم، هي كانت عارفة إن أنا عايزة أشوف عمر، بس ما رضيتش ترخم عليا.

لقيته، بس المرة دي كان قاعد مع بنت كانت بتعيط تقريبًا. كان ساكت زي عوايده، بس تقريبًا سكوته ده كان بيقتل البنت إللي قدامه.

روز: يمكن دي حبيبته القديمة، وبعدين قالت بمكر:

أو حبيبته دلوقتي.

قلبي وجعني لما قالت “حبيبته دلوقتي” فعلاً،  ليه ما يكونش عنده حبيبة؟ مين المجنون إللي يحب حد بعد شهر واحد من تعارفهم؟

كنت عمالة أهدي نفسي وأقول أكيد دي مش حبيبته، هنا المجتمع بتاعهم وعاداتهم غيرنا، يمكن هي صاحبته بس، ما أعرفش، بس كنت حاسة إني عايزة أمشي، كنت عايزة أضربه عشان قاعد مع بنت غيري، وكنت عايزة أحضن البنت إللي قدامي عشان تعيط براحتها.

كنت خايفة منه وخايفة من إللي أنا حاسة بيه، ومين البنت دي؟

مجموعة من الأسئلة بتحتل دماغي من غير رحمة.

ما رضيتش أمشي عشان روز ما تحسش بحاجة، بس روز أصلاً كانت حاسة بكل حاجة، كل حاجة أصلاً كانت باينة على وشي، كنت حزينة، روز كانت عايزة تديني درس: إن مش أي حد بيعاملني كويس يكون بيحبني، لكن في بلدك، أي حد كويس معاكي هيكون بيحبك، الناس في بريطانيا متبلدين من المشاعر، ما بيهتموش بمشاعر حد،  بس ما حدش كان لطيف قد عمر.

أنا حتى ما حدش كان بيبص لي إلا لازم يقول لي إنه بيحبني، إلا عمر، كان بيبص لي بنفس النظرات بس ما قالش حاجة، يمكن فعلاً البلد دي غير البلد دي، والناس دي غير الناس دي، حتى المشاعر غير المشاعر.

عمر شافنا، ويمكن كان شايفنا من أول ما دخلنا، والبنت لسه عمالة تعيط، وأنا حاسة إن أنا عايزة أمشي.

بس لحظة، إيه ده؟ ده عمر سابها، سابها بتعيط وجه يقعد معانا، مش قادرة أدرك الموضوع.

حسيت إنه قاسي وما عندوش قلب، بس هو قرب مننا، وقبل ما يقعد على الترابيزة قال:

ما تخليهاش تصعب عليك، دي واحدة خاينة ودموعها دي تمثيل.

ما بقتش عارفة مين إللي صعبان عليا، هي ولا هو، حتى لو هي خاينة، ما حدش يستحق إنه يتعامل بالطريقة الوحشة دي. بس صوته كان حزين، وما أعرفش ليه شرح لي الموقف، أنا مالي أصلاً؟ روز بصتله بشفقة، بس هو ما حبش إن حد يبصله بشفقة، واستأذنت روز وقالت إن عندها شغل ولازم تمشي.

عمر: لقيتي شغل؟

سلمى: لا، لسه.

عمر: عايزة تشتغلي شغلانة معينة في دماغك؟

سلمى: ما أعرفش، عايزة حاجة بس تكون مناسبة ومرتبها كويس عشان أقدر أفتح العيادة بتاعتي.

عمر: طيب، إيه رأيك تشتغلي معايا؟

ابتسمت وفرحت، الشغل معاه يعني أقضي معاه وقت أكبر وأعرف عنه كل حاجة.

سلمى: كويس جدًا، موافقة.

ابتسم بانتصار كأنه كان عامل لي كمين وأنا لبست فيه. وبعدين سألني:

هو إنتِ عارفة إيه نوع الشغل اللي إنتِ وافقتي عليه؟

سكت، ما بقتش عارفة أرد أقول إيه، كنت محرجة شوية، وحسيت إن أمري اتكشف.

عمر: طيب، هقول لك، أنا عندي شركة ومحتاج حد يساعدني، بس أنا ما بثقش في حد بسهولة، ممكن تساعديني؟

وافقت، وكان المرتب كويس جدًا، عدى اليوم بهدوء، بس جوايا كنت بسأل مليون سؤال، أنا ليه عايزة أكون معاه للدرجة دي؟ ليه بحب قربه؟ ليه وافقت أكون مساعدة وأنا أصلاً دكتورة، عشان أكون بس معاه؟

هو أنا ما بحرمش؟ ما بتعلمش من أخطائي؟ هو أنا مش جيت هنا عشان أهرب من الحب وسنينه؟ مش حلفت مليون مرة إن أنا مش هحب تاني أبدًا؟

قطع عليا هجوم الأفكار ده خبط على الباب، فتحت، ولقيت روز بتعيط، ما أعرفش مالها، ما أعرفش أي حاجة، كل اللي أعرفه إن أنا لازم أحضنها عشان تبطل عياط.

كانت روز وسط دموعها بتقول:

شفته… شفته معاها…. شفته يا سلمى.

ما كنتش محتاجة أسمع حاجة أكتر من كده، روز كانت مرتبطة بواحد بقالها أربع سنين، بيحبوا بعض جدًا.

راجل متفهم وبيقدر إنها لازم تسافر على طول، لكن إللي اكتشفته إنه كان بيوافق على سفرها عشان يبقى على راحته مع باقي الستات.

قلت لها تخش تستحمى عقبال ما أعمل لها قهوة، القهوة إللي اتعلمت إزاي أعملها من عمر، مع إن روز كانت حزينة وأنا كنت حزينة عليها، لكن برضه مبسوطة إنها هتبات معايا النهارده.

سهرت أنا وهي لحد الفجر، قعدت تحكي لي عن الشاب إللي هي بتحبه، كانت بتتوجع وبتشرب خمرة عشان تنسى، وكل ما تشرب شوية، تضحك وتفتكر قد إيه كانت عبيطة، وكان قدامها حاجات كتير بتثبت إنه شخص مش كويس ومش مناسب وخاين، كانت بتعيط وتضحك في نفس الوقت وقالت:

سيبنا بعض كذا مرة، بس أنا إللي كنت برجع له على طول. كنت عايزة أرجع له، كنت عايزة أفضل معاه، كان نفسي إنه يتغير، أنا بس إللي بحارب، وأنا بس إللي بحاول إني أمسك العلاقة دي بإيدي وأسنانى، كنت بتغافل عن كل حاجة وبعَدي له كتير. كنت عايزة أشوفه شخص مثالي، عشان كده كنت بعمل نفسي مش شايفة عيوبه، وكل التضحية إللي بقدمها له. هو ما حبنيش، أو يمكن فرح إنه لقى واحدة عبيطة زيي بتحبه مهما يعمل، بس مش المرة دي. بجد مش المرة دي.

فكرتني بكل حاجة أنا سبتها في بلدي وجيت هنا عشان أهرب منها، ما كنتش عايزة أحكي عن اللي جوايا، قعدت أعيط معاها، ونمنا مع بعض على السرير.

صحيت الصبح عشان أروح شغلي الجديد، إللي هو مساعدة عبيطة لراجل جذاب وجميل لدرجة إني نسيت يعني إيه رفض، كل ما يطلب مني حاجة بوافق، عمري ما قلت له لا. ما بقدرش أقاوم نفسي قدامه.

فتحت الباب، لقيته قدام بيتي الساعة 9:00 الصبح.

عمر: صباح الخير، نسيت أعرفك الشغل مكانه فين، هوصلك النهارده، بس أنا ما بحبش الموظفين يتأخروا عن الشغل بتاعهم.

كنت خايفة شوية، الراجل ده إللي قدامي شكله مدير، إزاي هو إللي كان من شهر جاي وجايب لي كتب قدام بيتي؟ بس مش مشكلة، إبتسمت له وركبت معاه.

كانت عربيته آخر موديل، كانت تحفة، وكان عنده سواق. ركبت، لقيت جنبي هدية صغيرة. بصيت له، لقيته بيبتسم لي. هو بيجيب هدية لكل اللي شغالين معاه؟ ما أعرفش، بس اتبسطت، فتحتها، لقيتها سلسلة جميلة.

عمر: لقيتك مش لابسة حاجة في رقبتك، ودي إشارة إن ما فيش راجل في حياتك.

سلمى: هو لازم ألبس سلسلة عشان أكون مرتبطة؟

عمر: لا، بس السلسلة بتكون إشارة إنك واقعة في الحب، مش مجرد إرتباط، أصل الإرتباط ده ممكن يكون ارتباط مصلحة، أو ارتباط صداقة، أو ارتباط عملي، لكن الحب ده حاجة صعبة وقليل لما تلاقيها، صدقيني يا سلمى.

اتصدمت من إجابته، هو عمل كام علاقة عشان شهوته وعشان مصلحته؟ أنا لازم أبطل أسأل أسئلة غبية، إحنا هنا مش في دولة عربية، أنا هنا في سن صغير، وكمان عذراء يعني في خطر، أنا بجازف بنفسي.

وصلنا الشركة، كان المبنى ضخم. ما كانتش شركة صغيرة زي ما هو قال، هو عمره ما قال لي إنه رجل أعمال أو بيزنس مان زي ما بيقولوا هنا، كل إللي بيشوفه بيبتسم له وبيقوله:

صباح الخير مستر عمر.

وإيه كل البنات الجميلة دي؟ وصلني المكتب، تحفة، حاجة كده في الأفلام، في رسومات كتير على الحيطان، والمكتب غالب عليه اللون الأبيض، فوقت من سرحاني على صوته وهو بيقولي:

بحب الفنان فان جوخ أوي، ألوانه بتلمسني ولوحاته، ولما دخلت بيتك عرفت إن إنتِ بتحبي اللون الأبيض.

ابتسمت وهو كمل وقال:

حبيت بنت بتحبه، فحبيته.

ما اتصدمتش بقى خلاص، اتعودت، راجل عنده 30 سنة زيه أكيد وقع في الحب مليون مرة.

فاق من كلامه إللي حكاه من غير ما يحس وقالي:

لازم تكتبي كل مواعيد الاجتماعات والحاجات إللي هيحصل فيها تسليم، الموضوع مش صعب بس عشان إنتِ أول مرة تعمليه.

قال لي كل حاجة لازم أعرفها عن الشغل، وأنا رديت على كل الأسئلة إللي سألهالي وقلتله إن أنا ذاكرتي ضعيفة جدًا، ضحك وقرب مني وقال: ما فيش مشكلة، هقولك إللي أنا عايزه منك مرتين عشان أتأكد إن إنتِ كتبتي كل إللي أنا قلتهولك.

باين إنه فعلاً عايزني أشتغل معاه، بس أنا جوايا دكتورة نفسية وعايزة أعرف هو جواه إيه، ماله؟ في أسباب كتير لخوفه إللي أنا شايفاه في عينيه، هو مش كويس.

أنا ما أعرفش هو عنده إيه ولا مرّ بإيه، بس حاسة إنه مش كويس.

سابني وراح المكتب بتاعه إللي جنب المكتب بتاعي، ولقيت في المكتب كمية كتب لكافكا، ولقيته سايب لي ورقة مكتوب عليها: لما مديرك ما يهتمش بيكي، اقري الكتب دي.

إبتسمت وقعدت أفكر: هو أنا فعلاً عايزة أشتغل معاه عشان الفلوس ولا عشان أملأ وقت الفراغ بتاعي ولا عشان هو بس، ولا يمكن كلهم مع بعض.

كلمت أمي زي كل يوم وقلت لها إن أنا لقيت شغل جديد، كنا بنتكلم فيديو كول، وقعدت أوريها المكتب بتاعي، دخل علينا عمر مرة واحدة، ولقاني وأنا بتكلم بالعربي إستغرب جدًا، أول مرة أتكلم بالعربي قدامه، قرب مني وهو ساكت، ومسك التليفون، شاف أمي، بس هي ما كانتش لابسة طرحة، ولما شافته بعدت الكاميرا عنها ولبست الطرحة، وبدأت تتكلم معاه، وهو بدأ يتكلم معاها بالعربي، ودي برضه كانت أول مرة أسمعه بيتكلم بالعربي.

ساعتها بقى أنا إللي اتصدمت، وبعد ما خلصت كلام مع أمي، بصلي وابتسم ومشي.

أمي قالتلي إنه شكله حلو أوي، بس أنا ما كنتش مركزة معاها، قلت لها إن أنا عندي شغل ولازم أقفل دلوقتي، رحت له وسألته وأنا متعصبة منه: ما عرفتنيش ليه إنك عربي؟

عمر: عشان أنا مش عربي.

سلمى: يعني إيه؟

عمر: يعني أبويا مصري، بس أنا ما أعرفش عنه حاجة، طول حياتي ساكن هنا، وبين كل فترة وفترة كنت بروح مصر لحد ما إتعلمت أتكلم إللي كان مصري كويس جدًا بس.

ما صدقتش العبط إللي هو قاله، ده بيتكلم مصري كويس جدًا كإنه قاعد في مصر على طول، مش مجرد راح كام مرة.

عمر: ما إنتِ كمان ما عرفتنيش إنك مسلمة ولا عربية.

سلمى: ما حصلش مناسبة.

عمر: وأنا كمان ما حصلش مناسبة.

وده أول يوم شغل ليا في بلد أنا ما أعرفش فيها حد غير الراجل ده، الراجل إللي عينه بتخلي قلبي يدق بسرعة غريبة، وأحس بحرارة في جسمي.

قبل ثلاث سنين، عند عمر:

الدكتور: إنت كويس؟

عمر: أنا فين؟

الدكتور: إنت في المستشفى، حصللك حادثة وعربيتك اتكسرت، قلي، إنت كويس؟ حاسس بإيه؟

عمر: يوسف، يوسف وأميرة فين؟ أميرة؟

الدكتور مردش.

قبل أربع سنين، عند عمر:

أميرة: عمر؟

عمر: صباح الخير يا روحي.

أميرة: صباح النور، عامل إيه؟

عمر: أنا بخير طول ما إنتِ بخير وبحبك كمان، إنتِ عاملة إيه؟

أميرة: أنا أسعد ست في الدنيا.

وبيقطعهم الخادم في البيت، بيخش معاه تورته عيد ميلاد كبيرة عليها صورتها، وبيغني لها عمر والخادم أغنية عيد الميلاد إللي هي بتحبها، وبيخرج الخادم بعد ما بيقطعلهم التورته، وبيقول لها عمر إنه لازم يمشي عشان عنده اجتماع مهم جدًا، بس هييجي لها الساعة 7:00 ولازم تكون لابسة ومستعدة، وهي بتبتسم له وبتقول: إنت هدية عيد ميلادي، إنت أغلى هدية جاتلي، ما تسيبنيش أبدًا.

بيبوسها وبيقول: حاضر، بس لازم أسيبك دلوقتي، معلش.

هو بيسيبها مبسوطة، مبسوطة أوي، تتكلم أميرة مع أصحابها وبتقولهم إنها لازم تلبس الساعة 7:00 عشان كده مش هتقدر تروح معاهم تحتفل بعيد ميلادها قبل الساعة 7:00.

بيساعدوها في اللبس، وبعد كم دقيقة فتحت أميرة الباب، شافت ست شايلة في إيدها فستان وطقم ألماس، والست كان معاها فريق. وقالت: إسمي يوستينا، وطلب مني أستاذ عمر إني أساعدك.

بتدخلها أميرة البيت وهي هتطير من كتر الفرحة ومن حب عمر ليها.

كان عمر مأجر المطعم كله عشان بس يحتفل بعيد ميلاد أميرة، واتفق مع الموسيقار يعزف مزيكا، وكل حاجة كانت مظبوطة، وقالهم: أنا عايز كل حاجة تكون بيرفكت النهارده.

وبيبتسم وهو بيفتكر قد إيه هي جميلة، وبيقول في سره: عايز كل حاجة بيرفكت زيها.

بنرجع للوقت الحالي:

سلمى بتقول لنفسها:

إنت راجل مشغول على طول، أنا مش عارفة هيكون عنده وقت إن أنا أرتبط بيه ولا لأ، يمكن هو ده السبب إللي كانت البنت إللي في الكافيه بتعيط عشانه، يمكن ما كانش ليها وقت في حياته، عشان كده خانته، ويمكن ما خنتوش، ما أعرفش.

ساب لي كتاب أقراه لما ألاقي عندي وقت فاضي.

وسبحان الله، لقيت نفسي عايزة أدخل الحمام، بقالي ساعة ما قدرتش أدخل الحمام عشان إحنا في اجتماع مهم، قد إيه بيكون شكله جذاب وهو صارم كده! انفعالات أقل وتحركات بسيطة، بيتكلم بعينيه مع العملاء عشان يحسوا بالثقة من ناحيته.

مش قادرة أبطل أسيب الدكتورة إللي جوايا عمالة أتأمل كل حاجة بيعملها الناس، لغة الجسد وكل التصرفات ودوافع لازم أحللها.

مش قادرة أمنع نفسي إني أكون مبسوطة وأنا معاك، ومش عارفة الوضع هيستمر على كده كويس ولا كل حاجة هتبوظ، ما أعرفش، بس أنا بحبه بجد؟ ولا أنا بس معجبة بيه ومعجبة بشخصيته وعينيه؟ بس لا… أنا بحبه.

فلاش باك لعمر في الطفولة:

أم عمر: عمر، إنت دلوقتي عندك ست سنين، لازم تعرف أنا وأبوك إتطلقنا ليه، إتطلقنا عشان إحنا كل واحد عنده دين مختلف وعادات وتقاليد مختلفة، تعبنا مع بعض أوي.

الموضوع ما كانش سهل، ومحدش فينا كان متفاهم مع الثاني بسبب اختلافه، أنا مسيحية وهو مسلم، ما كنتش أقدر أبدًا آخدك معايا الكنيسة عشان إنت مسلم زي أبوك، وأبوك هو إللي قال لي الكلام ده بعد ما ولدتك على طول، وافتكر إن أنا أصلاً كنت عارفة، بس أنا ما كنتش أعرف.

عمره ما غصبني إني لازم أدخل الإسلام، بس خلاك إنت تدخله من غير ما أنا ما أعرف، إنت دلوقتي براحتك، إختار الدين إللي يعجبك.

بنرجع للوقت الحالي عند سلمى:

عمر: كده جدول الإجتماعات خلص النهارده؟

سلمى قالت في سرها: يا ريته ما خلصش، بس هو فعلاً خلص.

وبيبتسم عمر لسلمى وبيقول: إيه رأيك؟ أول يوم ليكي كان عامل إزاي؟

سلمى: تعبت، بس على الأقل ما قعدتش أفكر طول اليوم، ودي حاجة كويسة.

عمر: طب كويس، ده أنا هتعبك معايا، هتفضلي طول اليوم معايا، ومش هسيبك تفكري أبدًا.

سلمى: تفتكر ده كويس؟

عمر: أيوه، كويس بالنسبالي، أما بقى بالنسبالك، هتلعني اليوم إللي شفتِيني فيه.

ابتسمت وسكت، ورجعت البيت وأنا تعبانة، عمري ما عملت شغل متعب قبل كده، كنت فاكرة إن رجال الأعمال ما بيعملوش حاجة غير إنهم يقعدوا في المكتب الكبير الضخم ويسافروا ويتبسطوا، بس فعلاً يستاهلوا عشان بيتعبوا.

رجعت البيت زي أي حد فاكر إن يومه خلص لما يخلص شغله، بس في الحقيقة اليوم لسه بيبدأ، إزاي بيبقى الإنسان عنده صحة وطاقة يكمل بعد الشغل؟!

لقيت مصطفى وروز عندي في البيت وعايزين يحتفلوا بيا عشان أول يوم شغل، بس أنا سألت روز: هو ينفع الست تحتفل بأول يوم شغل ليها وهي نايمة؟

روز: لا، ما ينفعش، مستحيل.

عملت نفسي عيطت، وقعدت أدب في الأرض برجلي، ومصطفى ميت ضحك علينا، وبيهددني إنه لو ما سمعتش الكلام هيشيلوني غصب عني ويمشوا.

إضطريت أسمع كلامهم، خدوني ورحنا البار، قلتلهم إن أنا ما بشربش أي كحول، بس أقدر أشرب عصير برتقال أو حاجة ساقعة، بس كان نفسي أروح البحر وأتفرج على الشمس وهي بتغرب، بس مش كل حاجة الإنسان عايزها بتحصله.

رحت معاهم ولقيت عمر هناك، ما أعرفش دي صدفة متفقين عليها ولا صدفة القدر عاملها، بس كنت مبسوطة إني شفته. أيا كان، في الحقيقة لما بلاقيه في مكان بحس بالأمان.

كان قاعد مع أصحابه، مكنتش أتخيل أبدًا إنه يسيبهم ويجيلنا، بس هو عمل كده.

قلت له وأنا بأبعد عن تفكيره سوء الظن عشان شافني في بار، إن روز ومصطفى كانوا عايزين يحتفلوا بيا عشان أول يوم شغل، هو ابتسم وقالي: المكان كويس، ما تقلقيش.

خدت نظرة كده على المكان، لقيت البنات أغلبهم نسيوا يلبسوا هدومهم، بصيتله وقلت: آه، ده كويس جدًا.

عمر بص مكان ما كنت ببص وإبتسم، قرب مني، ريحته كانت مزيج من سجاير وخمرة وبرفيوم، وقال: أنا شفت ستات من غير هدوم لدرجة إني لما بأشوفهم دلوقتي بقرف، وحشني أشوف ستات بهدوم حقيقي، مش دي الميزة إللي كنت بتكلم عنها.

كان بيتكلم، واعتقدت إنه سكران، وأنا، سكرت من صوته، ما حسيتش بنفسي إلا وأنا بغمض عيني لما قرب مني، بقيت بأشم ريحته وسامعة صوته، ومش قادرة أبصله.

قلت بصوت واطي: عمر.

بص لي وهو سكران، كإنه كان بيحاول يعرف أنا هأقول إيه، بس أنا ما كنتش هأقول حاجة، كنت عايزة بس أنادي اسمه.

اعتقدت إن أمه، وهي بتسميه، عرفت إنه باسمه ده هيقدر يدخل قلب واحدة زيي، هربت من وجع الحب وخذلانه، أكيد أمه كانت عارفة.

إبتسم لما ما رديش، بس كإنه حس باللي أنا حاسة بيه، وقالي: ما تقلقيش.

ما أعرفش ليه قال كده، كإنه كان سامع صوتي الداخلي، بس لما قال كده حسيت إني مطمنة أكتر.

كنت عايزة أعيط، جامد، قلبي كان واجعني، قاعد جنبي، ساند رأسه على كف إيده، وبالإيد الثانية شايل كوباية فيها خمرة.

قعد يتفرج عليا، وأنا مكنتش متوترة عشان هو سكران، قلت لنفسي يمكن بكره ما يفتكرش حاجة.

عمر: تعرفي إنك جميلة، بس زعلانة، زعلانة أوي، أول مرة شفتك حسيت إن في حاجة فيكي بتشدني، يمكن…

سكت وضحك وقال: بس إنت جميلة.

غمض عينيه، كلهم كانوا سكروا إلا أنا، كنت بأشرب حاجة ساقعة.

حسيت إنه واجب عليا أوصلهم كلهم لبيوتهم، مصطفى قال إنه هيوصل روز، وطلب مني أوصل عمر، كنت خايفة، خايفة على نفسي، عشان قال لي إني جميلة وهو سكران.

أخدت اللوكيشن بتاع بيته ووصلته بعربيته، ما كانش قادر يقف، قربت عشان أخليه يسند عليا، بس هو قال: سيبيني، أنا كويس، أول ما سبته وقع.

رجعت أسنده تاني، بس كان تقيل، وقعت جنبه.

قعد يضحك عليا، جامد، يضحك لحد ما عيط، وفضل يقول: أرجوكي خلي الوجع إللي جوايا يخف.

قعدت أعيط جنبه على الأرض، نفسي أساعده، نفسي أخفف عنه، دموعه نزلت على رجلي لما حط رأسه عليها، فضل يعيط، بس المرة دي كان ساكت.

كان قلبي مكسور على حالته، قعدت جنبه على الأرض، هو نام وهو بيعيط.

وفجأة صحي بسرعة وقال: أنا ما كانش قصدي، أنا ما كانش قصدي، أنا ما كنتش أعرف.

كانت هلاوس، وقال كلام ما فهمتوش.

سندته ودخلت بيه الأوضة، قلعته الجاكيت والجزمة ونيمته وغطيته، بصيتله وقلت:

كل حاجة هتكون كويسة، إنت لازم تنام دلوقتي، ماشي؟

عمر: ماشي يا ماما.

اتفاجئت لما قال لي “يا ماما”، هو شايفني أمه؟ ولا عشان اتكلمت زي الأم؟

بوست رأسه وقلت له: إنت لازم تنام دلوقتي، اتفقنا؟

عمر: هنام، بس خليكي جنبي، أنا بخاف.

مسكت إيده وقعدت جنبه.

عمر: أميرة… ما كانش قصدي، أنا آسف.

ما أعرفش مين أميرة، بس كنت عايزة أفهمه إن أنا مش أمه ولا أميرة، وإنه ماسك إيد سلمى، قلت له: ما فيش مشكلة، أنا مسامحاك.

عيط وهو بيقول: بجد؟

بوست إيده وقلت له: بجد جدًا، إرتاح دلوقتي عشان تقوم كويس.

كنت حاسة إني غيرانة من أميرة دي، إزاي مأثرة عليه كده لدرجة إنه يعيط؟ هو عمل لها إيه؟

قعدت جنبه، خايفة أسيبه بالحالة دي، بس ما ينفعش أقعد هنا أكتر من كده، همشي أول ما أطمن إنه نام ومش هيصحى غير بكره.

قعدت بتفرج على وشه، شعره، دقنه، وشه كان زعلان، ملامح الحزن محتلة ملامحه، حتى وهو نايم.

في الصباح عند عمر:

صحيت الصبح، حاسس إن دماغي هتتفرتك من الصداع، جسمي مش متعود على الخمرة، ومش هيقدر يتعود أبدًا.

صحيت، لقيت سلمى نايمة على الكنبة في أوضتي، ما استوعبتش، هو أنا سكران؟ ولا ده حلم؟ سلمى، إللي ما بتسلمش عليا بإيديها، قاعدة في أوضتي نايمة دلوقتي؟

قلت لنفسي: هو أنا المفروض أشيلها على السرير؟ ولا كده هتشوفني متحرش؟

فضلت أتفرج على وشها الجميل، أكيد هي إللي وصلتني، يا ترى أنا قلت إيه امبارح؟ أو عملت إيه؟

من الصداع باين إني كنت سكران جدًا.

هو ينفع كل يوم الصبح ألاقيها في أوضتي؟ أصحى من النوم وهي جنبي؟ شبه الملاك بجد.

قمت، عملت كوبايتين قهوة، ما ينفعش نتأخر على الشغل.

لفيت وشي، لقيتها جنبي، مبتسمة، وقالت: صباح الخير.

عمر: شكرًا إنك وصلتيّني امبارح، وباين إنك ساعدتيني كتير، أنا آسف إني حطيتك في موقف زي ده.

سلمى: ما فيش مشكلة، إنت ليك عندي جمايل كتير، ما تقلقش.

شربنا القهوة واحنا ساكتين، كنا بنبص لبعض من وقت للتاني، وبس.

هو يعقل إن الواحد يكون جميل كده وهو لسه صاحي من على كنبة؟ قد إيه البنت دي جميلة؟ بس فجأة لقيت الكلام إللي بقوله في دماغي طلع من شفايفي من غير ما أحس، وقلت: إنتِ جميلة أوي.

سلمى: عارفة، إنت قلتلي كده وإنت سكران إمبارح.

يا ترى قلتلها إيه كمان؟ هو أنا قلتلها إن عينيها بتقتلني، وضحكتها بتموتني؟ قلتلها إني بحب أشوف شعرها بيطير حواليها؟ قلتلها إني عايز أخلي ريحتها جوايا؟

عمر: بجد؟ وقلتِلك إيه كمان؟

سلمى: ما قلتليش حاجة مهمة، إنت قلتلي شوية أسرار مستخبية، وعرفت كام واحدة بتحبها وكام واحدة ما بتحبهاش، قلتلي حاجات كتير أوي.

عمر: مش حقيقي.

سلمى: لو كنت متأكد من إللي قلته إمبارح، ما كنتش سألتني.

(عمر يسكت.)

سلمى: أنا برضو قلت كده.

عمر: هنتأخر على الشغل.

سلمى: ماشي، خلاص هسكت.

عمر في سره: هي بتبتسم ليه؟ هو أنا فعلاً قلتلها كل حاجة؟

سلمى بتكلم نفسها: أنا هربت هنا من الحب وقرفه، ومن قلبي إللي وجعني بسببه، وجيت عشان أقابل الراجل ده وأحبه من غير ما أحس؟ هو ده؟ بجد؟ أنا تعبت اوى بسبب الموضوع ده، ومش عايزة أكرره تاني أبدًا، أنا لازم أبعد عنه، أنا خايفة… خايفة بجد، لو الموضوع ده اتكرر معايا، مش هقدر أتحمله.

أنا قاعدة دلوقتي في مكتبي، وهو في مكتبه، بيعمل نفسه مشغول عشان ما يشوفنيش، أنا فعلاً قلتله إنه قالي كل حاجة، وده كذب، هو ما قالش حاجة، بس كنت عايزة أخليه يخاف مني وما يتكلمش معايا، أنا مشوشة، عايزة أهرب من كل حاجة، كل لما أهرب، ألاقي نفسي بروحله.

ماشي يا سلمى، خليكي صريحة، إنت بتحبي كل حاجة جميلة، بتحبي الورد، بتحبي القهوة إللي بتتعمل بحب، ما بالك بحد زي عمر؟ عمر وصوت عمر وضحكة عمر؟ أكيد هتحبيه، ده أيقونة من الجمال والوسامة والجاذبية.

فجأة لقيت روز بتكلمني، بتقولي إنها دورت ولقت مكان اتدرب فيه مع واحد من أشهر الدكاترة النفسيين في إيطاليا، جه الوقت إللي لازم أكون فيه صريحة مع نفسي، هو ده فعلاً إللي أنا عايزاه؟ عمري ما عرفت إللي أنا عايزاه، وما أعتقدش إني هعرف أبدًا.

سلمى: عمر، عايزة أتكلم معاك في موضوع.

عمر: إيه يا سلمى؟

سلمى: أنا هستقيل من الشغل.

عمر: ليه يا سلمى؟ إيه اللي حصل؟

(سلمى تسكت.)

عمر: بصي، أنا مش فاكر أنا قلت إيه إمبارح لما كنت سكران، بس أنا كنت سكران يعني أكيد مكانش قصدي، وإنت ما ينفعش تسيبي الشغل ولا تستقيلي.

سلمى: عمر، أنا مش باخد إذن منك، أنا بأبلغك بالقرار اللي أنا خدته.

عمر: تمام، من حقك تاخدي القرار اللي إنتي عايزاه، وأنا من حقي أوافق أو أرفض، وأنا هرفض الاستقالة.

(عمر يقرب منها، وهي ترجع لورا، يقرب أكتر، وهي ترجع أكتر، بيقفل باب المكتب، ويقف قدامها)

عمر: مش هسيبك تمشي يا سلمى… مرفوض.

لما قال الجملة دي بالطريقة دي، حسيت إني مش قادرة أمشي… مش هقدر.

عنينا بتتقابل، فجأة، حد بيخبط على الباب، بنبعد عن بعض، وبتدخل بنت جميلة جدًا، أساسًا كل البنات في الشركة دي جمال بطريقة تهبل.

البنت: عمر، لازم نتكلم مع بعض.

عمر: عندنا إجتماع، لازم نتحرك دلوقتي عشان ما نتأخرش.

البنت: أنا آسفة، ما كنتش أعرف إن عندكم إجتماع.

سلمى: إجتماع إيه؟

(يمسك إيدها)

عمر: امشي ورايا من سكات.

رحنا البحر، مشينا على الشط، قالي: يا إما أقوله الحقيقة، يا إما هيحدفني في البحر، وهو عارف إني ما بعرفش أعوم، بس ثانية واحدة… هو أنا هقوله إني بحبه؟ هو أنا هقوله إنه بيقتلني كل يوم بعينيه؟

ما قدرتش أتحمل هجوم الأفكار على دماغي، ما بقتش قادرة أتحكم في نفسي، ومعرفتش أعمل حاجة غير إني أقعد على الأرض وأعيط.

(قعد جنبي، وحاول يهديني، هو ما يعرفش أنا بعيط ليه)

قاعد يعتذرلي بطريقة تخليني أضحك وأنا بعيط: والله ما كنتش هحدفك في البحر، مكنتش هسيبك تغرقي يعني، مش هسيبك تموتي، ما أقدرش أتنازل عنك.

عيطت أكتر، فاضطر إنه يحضني، سمعت دقات قلبه، شميت ريحته عن قرب، وعيطت أكتر، قلت وأنا بعيط: عمر، أنا موجوعة… جوايا حاجات بتموتني.

بيبوس راسي عشان يعتذرلي على حاجة هو مش عارفها، هو مش عارف يعمل إيه، مش قادر حتى يسألني، لأنه شايفني منهارة من العياط، وأنا كنت عارفة إن لو سألني، ما كنتش هجاوب، بس كنت متأكدة إنه هيجي اليوم اللي يعرف فيه كل حاجة جوايا، مش قادرة أمشي، ومش قادرة أفضل جنبه، أنا بتقطع من جوايا، واقفة في النص بين الحياة والموت، بين إني أمشي وبين إني أفضل، والناحيتين بيشدوني.

سلمى تعبت نفسها من كتر العياط، كانت عاملة زي الطفل الصغيرة اللي ضايعة من أهلها، عيطت كتير لحد ما نامت، دلوقتي هي على الشط، حاطة راسها على رجلي، وبتبص للشمس وهي بتغرب، وأنا ببص عليها… دايمًا في حاجة بتموت عشان حاجة تانية تعيش، الجد بيموت والحفيد بيتولد، الصبح بيموت عشان الليل يطلع، والشمس بتموت عشان القمر يعيش، وهكذا، هي دايرة الحياة وبنعيشها.

مرة واحدة، سلمى لقيتها بتبصلي، شكلها حزين، تعبان، شكلها مش كويس أبدًا، بس حتى وهي كده، رغم كل الوجع… جميلة، جميلة أوي.

سلمى: إنت عارف إن الغروب ده بيعلن إن اليوم خلص؟ وبيخلي الشمس تموت؟ واللون الأحمر إللي الشمس بتتحوله بحس إنه دم نازل منها، وكأنها بتقول للكوكب: انقذوني، ما حدش يقدر ينقذها.

عمر: بس من غير الغروب مش هتشوفي القمر والنجوم، الغروب بيموت الشمس، بس بيطلع القمر، بعد كل حاجة وحشة بتحصل، لازم يجي بعدها حاجة حلوة، يمكن بتحتاج شوية وقت عشان تبان، لكنها في الأول وفي الآخر بتبان، فضلنا نبص لبعض فترة طويلة، وكانت لسه هتتكلم، إفتكرت إنها هتتكلم عن البعث والخلود، وعن دوران الأرض حول الشمس، بس هي قالت: أنا جعانة.

وهتخليني دلوقتي أسألها: تاكلي إيه وتاكلي فين؟ بعد ما كنا بنتفلسف.

لما شالت راسها من على رجلي، حسيت إن رجلي اتقطعت، حسيت إنها حتة مني بتتشال مني، مقدرتش أقاوم وقلتلها: ما تمشيش، لو مشيتي، قلبي هيموت من غيرك… خليكي معايا.

بصتلي باستفهام، كأنها ما فهمتش أي حاجة من إللي أنا قلته، أو من إللي أنا أقصده بمعنى الصح، يمكن هي ما فهمتش، أو يمكن هي شاطرة في إنها تمثل عدم الفهم.

بقالي كتير أوي محسيتش بالخوف ده لما حد بيبعد عني، أنا مش هقدر أعيش من غيرها، جبتلها الأكل، وهي بتاكل بنفس مفتوحة، بتاكل وكأنها ما كانتش لسه بتعيط من شوية، إزاي بتاكل الكميات دي كلها؟ إنتِ بتاكلي كتير أوي، لكن جسمك متناسق وجميل.

حاسس إن هي بنتي وأنا أبوها، قلبي بيفرح لما بشوفها، وإي اللي عندها أحسن من أي حد تاني، ما أعرفش ليه بحس كده معاها، بس اللي أعرفه إن مش هسيبها تمشي، ولو هي عايزة تمشي، تاخدني معاها نروح أي مكان يعجبها.

عند سلمى

وحشتني أمي… ريحة أمي وحضنها، مش زعلانة إن أنا بعدت عن بلدي، لكن زعلانة إني بعدت عن أمي، بعدها صعب جدًا.

روز قالتلي إني لازم أروح أتدرب عند الدكتور، وقررت إني أختار نفسي لأول مرة وما أعملش الغلط إللي بعمله على طول.

كلمت عمر وقلتله على الشغل الجديد بالتليفون عشان ما كنتش هقدر أقول الكلام ده قدام عينيه، قلتله إني هسيب الشغل، وإنه مش هيقدر يخليني أتراجع عن قراري، واتصدمت لما سكت وما حاولش يمنعني وقالي: بالتوفيق.

اتعصبت أكتر، كنت أتمنى إنه يمنعني، كان نفسي نتكلم في الموضوع عشان كلامنا يطول.

بعد ما سبت روز، وأنا راجعة البيت، لقيت عمر مستنيني في جنينة البيت، قاعد على الأرض، وأول ما شافني، قام وقف، وكان جنبه شنط كتير.

عمر: هو فعلاً أنا دلوقتي ما بقتش المدير بتاعك، بس أنا عمر، ومن حقي إني أطبخلك النهارده مكرونة، نقضي اليوم مع بعض ونتفرج على مسلسل حلو.

اتبسطت أوي من فكرة إنه عايز يقضي وقت معايا، وأصلاً كنت جعانة كمان، كان واحشني، وكنت عايزة أفضل معاه وقت أطول.

دخل المطبخ، وقعد يجهز الحاجة، كان شكله حافظ بيتي حتة حتة عشان مغلطش في أي حاجة، هو ما دخلش المطبخ عندي غير مرتين عشان يعمل قهوة، إزاي حفظ الأماكن؟ مبهورة بشطارته، وقعدت أراقب ملامح وشه.

شخصيته بتثير إعجابي واستغرابي في نفس الوقت، إزاي يقدر يجمع في شخصيته صفتين متناقضتين؟ إزاي يبقى إجتماعي جدًا وفي نفس الوقت انطوائي؟ إزاي يكون مرح وبيهزر وفي نفس الوقت صارم وجاد؟ إزاي يكون قوي وقاسي، وفي نفس الوقت حنون وطيب؟

لكن إللي متأكدة منه، إن كل ما ببص في عينيه، بلاقي حب ليَّا مش معترف بيه.

لاحظ إن أنا عمالة أراقبه وأنا ساكتة، يمكن حس باللي أنا بقوله لنفسي جوايا، وقعد يتكلم معايا عن إزاي اتعلم يعمل مكرونة من شيف في إيطاليا، وكان بيحكي وهو متحمس، وأنا قلت من غير ما أحس: إنت هتمشي؟

عمر: يا سلام! وهسيب المكرونة اللي بعملها عشان تاكليها لوحدك يا طفصة؟ لا طبعًا، أنا جعان جدًا.

وبعدين بصلي وقال: طول ما إنتِ موجودة هتلاقيني جنبك.

ما فهمتش قصده، بس قعدت أقنع نفسي إنه قصده إن لو أنا ما مشيتش هو مش هيمشي، حتى لو كان قصده كده، كان المفروض يقولي إنه مش هيمشي حتى لو أنا مشيت، وأصلاً مش هيسيبني أمشي، كان المفروض يطمني، واتضايقت جداً منه، وقعدت متعصبة، لقيته بينادي عليا:

عمر: سلمى.

سلمى: عايز إيه؟

قلت كده بزعيق، وبعدين أدركت إن صوتي كان عالي، اعتذرت، لكنه قرب مني وقال: لازم أعرف كنتِ بتفكري في إيه خلاكي متنرفزة كده؟

سلمى: أنا بحبك، بموت فيك، زعلانة إن أنا ما أقدرش أحضنك دلوقتي، بغير عليك أوي، نفسي تبقى بتاعي لوحدي، أنا ما عنديش مشكلة أسيب كل حاجة عشان بس أكون معاك، أنا حبيتك يا عمر، وإللي واجع قلبي إنّي ما أعرفش إنت بتحبني ولا لأ، مش متأكدة من مشاعرك ناحيتي، وخايفة أسالك ليتكسر قلبي، قلبي بيولع من الغيرة لما بتخيلك مع واحدة تانية، بحس إنك خاين، ومش حرام لو قتلتك، ما بقيتش قادرة أسيطر على قلبي، بقى يتصرف مني لنفسه وقرر إنه يحبك، بس هو في جسمي، أنا المفروض أنا اللي أتحكم فيه، أقوله يعمل إيه وما يعملش إيه، إنت مش ليا، وأنا مش لنفسي، كل حاجة فيا ليك، أنا في النص يا عمر.

ما حسيتش بنفسي إلا وأنا في حضنه، بعيط جامد، بعيط على كل حاجة، أنا بحبه، ما أعرفش إمتى وأزاي وفين، بس بحبه بجد.

عمر: سلمى.

سلمى: أنا تمام، أنا بس ميتة من الجوع، وأنا جعانة ما بشوفش قدامي، عشان كده كنت متنرفزة شويه، بس أنا تمام.

طبعاً ما قلتلهوش حاجة من الحاجات إللي لسه قايلها في دماغي، أنا جبانة وطفلة، ما أقدرش أعمل كده، ما عنديش الشجاعة، هو أنا المفروض أقتل نفسي دلوقتي ولا أستنى لما يمشي؟

إيه الأكلة؟ خلصت، وكنت فاكرة إنه وهو بيطبخ هنقضي وقت حلو مع بعض، لكن للأسف عقلي المريض قعد يعمل سيناريوهات تبوظ عليا لحظاتي السعيدة، بس لو جينا للحق، الأكل تحفة فعلاً، عمر شيف شاطر.

قبل أربع سنين عند عمر

عمر: الو، أميرة، هعدي عليكي دلوقتي، جاهزة ولا لأ؟

أميرة: أيوه، أنا جاهزة.

عمر: ماشي، استعدي، بحبك.

سلمى: أنا بحبك أكتر، يلا، أنا نازلة أهو.

استنيت أميرة تحت البيت، نزلت، وكانت زي الفراشة في الفستان إللي أنا اخترته، هي على طول زي الفراشة، بس النهاردة كانت جناحتها مفرودة أكتر، ما أعرفش ليه، عيني دمعت، وحسيت إني عايز أشوفها بفستان الفرح دلوقتي، فساتين الفرح اتعملت بس عشان أميرة، ما أعرفش دي وجهة نظري عشان بحبها، أو وجهة نظر أي راجل زيي>

ما أقدرش أكذب، لما فكرت في كده، حسيت إني غيور أوي، هي الناس بتشوفها جميلة زي ما أنا بشوفها، أنا مش عايز حد يشوفها غيري، اتأكدت وقتها من العرق الشرقي إللي جوايا في الجينات، كنت واقف قدامها ثابت في مكاني، لكن كان نفسي أفرشلها الأرض ورد وأشيلها عشان رجليها ما تلمسش الأرض، أول ما جات ناحيتي، ما قدرتش أعمل حاجة غير إني أحضنها وأشيلها، وأنا سامع صوت ضحكها، ضحكها كان بيعالجني من أي وجع.

عمر: حد قالكِ قبل كده إن إنتِ شبه الفراشات؟

سلمى: أيوه، إنت قلتلي.

عمر: إنتِ فراشتي.

ابتسمتلي، وأنا ما كنتش متخيل إن حد يحبني زي ما أميرة حبتني، وأنا ما حبتش حد زيها، دايماً كنت بتاع ستات، أنا كنت الراجل اللي كل أب بيبعد بناته عنه، كنت زي الشيطان، بس أول ما هي ظهرت في حياتي، بقت راهب، كأنها نظفتني ونظفت قلبي من أي حد غيرها، ما بقيتش أخاف من أي حاجة غير إنها تبعد عني، ما أقدرش أعيش من غيرها.

عمر: أنا بحبك.

أميرة: وأنا بحبك أكتر يا عمر، بموت فيك.

عمر: طب يلا نحتفل، حبيبتي تمت 25 سنة من عمرها.

كانت شكلها متشوقة، وكانت عارفة طبعاً إني هعملها مفاجأة كبيرة، بس مهما كانت عارفة، عمرها ما كانت تتخيل اللي عملتهولها النهارده. 

وصلنا المطعم كان كل حاجه بيرفكت بس اكيد مش زيها. 

حجزتلها المطعم كله، وكمان جبتلها عازف بيانو، هي بتموت في البيانو، وعملت تمثال شكلها من الشوكولاتة، المكان مترتب، واتفقت مع صاحب المطعم إنه يعرضلنا فلاشة عليها كل صورنا مع بعض وذكرياتنا زمان، ضحكت وعيطت لما شافت الصور، بس آخر صورة كان لونها أبيض وفاضية.

أميرة: الصورة دي فاضية، هي بتفكرنا بحاجة أنا مش فاكرة؟

عمر: لا، مش بتفكرنا بحاجة دلوقتي، بس هتفكرني عشان هيكون مكانها صورة، دي مش مجرد صورة فاضية، ونزلت على ركبتي وطلّعت خاتم، وهي كانت بتضحك وتعيط من السعادة، بس هي ما كانتش زي أي بنت تانية، أول ما قلتلها تتجوزيني، قعدت جنبي على الأرض وحضنتني وهي بتضحك وتعيط في نفس الوقت، كنت فاكر إنها هتفضل قاعدة مكانها وتندهش وتحط إيديها على بقّها زي باقي البنات وتقول: أيوه، أتجوزك، بس هي ما عملتش كده، هي دايمًا غير متوقعة، هي حتى ما قالتليش “أيوه”، بس أنا قدرت أستنتج من رد فعلها الإجابة على سؤالي.

عمري ما شفتها سعيدة قد النهارده، أنا هبقى جوزها وهي هتبقى مراتي، أنا كمان سعيد وفرحان.

بنرجع للوقت الحالي

عمر في نفسه: سلمى مش كويسة في الحقيقة، هي ما كانتش كويسة أبدًا، على طول حزينة وبتحاول تخبي شعورها عشان مش عايزة حد يشفق عليها أو تحس إنها ضعيفة، وأنا مش عايز أحسسها إني كاشفها وحاسس بوجعها، يمكن هي كانت بتحب حد وزعلانة من الفراق، بس أول ما جه التفكير ده في دماغي، كان نفسي إنها تكرهني وتكره الأكل إللي أنا عملته، بس ما تكونش بتحب حد غيري، عشان هي لو بتكرهني، أنا هقدر أخليها تحبني، بس هي لو بتحب حد تاني، أنا مش هقدر أعمل أي حاجة، ما أعتقدش إنها بتحب حد تاني.

عمر: سلمى.

سلمى: تسلم إيدك، الأكل يجنّن، بقالي كتير أوي ما أكلتش حاجة حلوة بالشكل ده، شكرًا بجد.

 دي حبّت الأكل بتاعي، من شوية كان نفسي إنها تكره الأكل بتاعي أحسن من إنها تكون بتحب حد تاني، في الحقيقة، أنا ما طبختش إلا لأميرة وليلى، وهي كمان بقت من ضمن الستات إللي خلت حياتي نعيم، بس في واحدة منهم دمرت حياتي، والثانية عملت كل اللي تقدر عليه عشان تخليني كويس.

مشيت من عند سلمى، وحسيت إني محتاج ليلى، محتاج أحكيلها كل إللي أنا حاسس بيه.

ليلى: يا أهلا يا أهلا! أخيرًا إفتكرت إن عندك صاحبة.

عمر: هتخليني أخش ولا أروح؟

ليلى: ادخل يا عم، مالك بقى؟

عمر: مش كويس، مش كويس خالص.

ليلى: ماشي، استنى بقى أما أدخل أعملنا فنجانين قهوة، ونقعد للصبح نحل مشاكل الأستاذ، يلا اطلع بره، أنا ست مشغولة وعايزة أنام.

على طول عمر بيضحك على ليلى لما بتتكلم باللهجة المصرية، هي ما بتعرفش تتكلم مصري كويس، بس هي لما بتكون عايزة تضحك عمر بتتكلم بالمصري.

ليلى من المطبخ: وقعت في حبها؟

عمر: أيوه، ومش عارف إمتى ده حصل؟

ليلى: الصراحة هي تتحب، بس يومك أسود، أنا بقالي تلات سنين بحاول أرجعك إنسان، فهي لو سابتك وكسرت قلبك في تلات شهور أو كام أسبوع، والله أكسر الدنيا فوق راسكم إنتم الاتنين، هو أنا مش ورايا غيرك؟ مش هبص لنفسي؟

عمر بيضحك على كلامها وهو عارف إن ليلى من ساعة لما حبيبها سابها وهي بتخبي وجعها بين حياته وشغله ومشاكله، نفسه إنها تنساه وتكمل حياتها وتشوف نفسها.

ليلى: بص يا عمر، إنت صاحب كويس ركز معايا بقى.

عمر: قولي.

ليلى: أنا حاسة بالوحدة، عايشة لوحدي وما ليش حد غيرك، إنت موجود آه، بس بين كل فترة وفترة، لكن أنا محتاجة إنسان أرتبط بيه.

عمر: آه يعني إنت عايزة حد يطبطب ويدلع؟ طب يا ستي، هو إنت عمرك طلبتي مني حاجة وأنا قلتلك لا؟

ليلى بضحك: لا يا عسل انت فاهم غلط، أنا عايزة حد أحبه ويحبني.

عمر: طيب ماشي، تعرفي على ناس جديدة، لما حد يكون معجب بيكِ اديله فرصة، تقربي منه كده يعني.

ليلى: حاولت، بس ما عرفتش، كل أما بدي لحد فرصة بتخيله مكانه، مش عارفة أنساه، بشوفه في كل الوشوش وأي مكان بروحه، أنا بتألم يا عمر.

ليلى قعدت تعيط، وعمر حضنها وحاول يخليها تهدى وقال: عايز أسألك سؤال ضروري.

ليلى: إيه؟

عمر: مرتاحة في العضلات ولا أنزل الجيم عشان أبقى مثير أكتر وكده؟

ليلى: امشي يا عمر، اطلع بره.

عمر: يا كذابة، إنت مش عايزاني أمشي، وزعلتي ليه؟ ده إحنا على الأقل هنكون friends with benefits (أصدقاء مع الفوائد).

ليلى: خلاص بقى يا عمر، بطل رخامة.

عمر: بصي يا ليلى، إنت بنت جميلة، من أجمل البنات إللي أنا شفتها في حياتي وتستاهلي كل خير، متقلقيش، مع الوقت هييجي حد ينسيك الشخص ده ومش هتفتكريه أصلاً.

صدقيني، اليوم ده هييجي، ولما يجي الشخص ده، ما تقلقيش، لو بس فكر يزعلك، هيشوف مني العين السوداء، مش هخلي أي حد يأذيكي تاني يا ليلى، صدقيني.

ليلى ابتسمت وارتاحت، هي بتحب عمر أوي، زي أخوها إللي والدته أمها.

وعمر حس إنه أناني لو حكالها مشاكله عشان هي مش كويسة، عرض عليها إنهم يتفرجوا على فيلم هي بتحبه، ووافقت جدًا وفرحت، وهي بتتفرج نامت، كتب لها ورقة جنبها بيقول فيها قد إيه هي جميلة وإنه هيحسد أي حد هي بتحبه عشان لما تصحى تشوف الورقة وتفرح، وسابها ومشي.

كان حاسس إنها أخته وصاحبته، كان زعلان على زعلها، ومشي من عندها وهو لسه في كلام ما قالهوش وفي حاجات حاسس بيها ما طلعهاش، بس قرر إنه يعترف بحبه لسلمى بكره.

عند سلمى

النهارده أول يوم ليا وأنا بتدرب عشان أكون دكتورة نفسية عند واحد من أشهر الدكاترة النفسيين في إيطاليا، وإللي بالصدفة عرفت إنه عربي، اتكلمت معاه وما خدش باله إني عربية إلا لما أنا قلت: إن شاء الله، إللي بقولها على طول.

اتكلم معايا بلهجة ما أعرفش من تونس ولا المغرب، بس ما فهمتش، طلبت منه إن إحنا نتكلم بالإنجليزي أحسن.

بعد شوية من تدريبي كان عمر قدامي ومعاه بوكيه ورد من إللي بحبه، مع إني مشيت من الشغل عنده وما بقتش بساعده، رغم إنه متضايق مني بس ما قالش، لكنه برضه حابب يكون جنبي، أنا حاسة إنه متعصب، بس المرة دي مش أنا السبب.

ده من دكتور حسن، دكتور عنده 30 سنة تقريبًا، عينه لونها عسلي وكان شكله حلو أوي لدرجة إن عمر حس بالغيرة منه، لكن عمر مد إيده وسلم عليه وهو بيقول: إسمي عمر.

الدكتور: تشرفت بمعرفتك، أنا دكتور حسن.

ابتسم لعمر بتكلّف، وبعدين عمر مسك إيدي جامد وهو بيقولي: لازم نتكلم، ما حبتش حسن ده خالص.

رديت عليه بعفوية خليته متعصب أكتر: ليه بتقول كده؟ ده أنا استلطفته خالص.

عمر: ماشي، مبروك الشغل الجديد، بس هو الشغل ده يعني أحسن من الشغل معايا؟

سلمى: أنا اتعلمت سنين كتير عشان أشتغل دكتورة، مش عشان أشتغل مساعدة يا عمر.

ضحك وهو عارف إن أنا ما أقصدش أهينه، بس أنا كنت عايزاه يتعصب، هو ما اتعصبش ليه؟

سلمى: أنا لازم أشتغل دلوقتي.

عمر: هتوحشيني.

سلمى: هشوفك بعد الشغل.

عمر: أكيد.

ما أعرفش هو إتغير معايا كده عشان خايف إني أسيبه؟ هو أصلًا شخص مغرور، مستحيل يخاف من حاجة زي كده، على طول كنت أنا إللي بخاف إني أخسره، وهو عامل زي الحيطة ساكت، دلوقتي اتبدلت الأدوار، وهو لازم يتكلم، يا إما يفضل عايش في خوف.

دلوقتي دوري أكون سلمى الحيطة وهو يكون عمر اللطيف، جه دوري عشان ما أردش على اتصالاتك وأقولك إني مش فاضية، ممكن نتكلم بعد شوية أو لما أفضى، جي وقت أحسسك إن إنت ولا طايل سما ولا طايل أرض.

جه وقت البريك بتاع الغدا، وبعد ما شفت عمر النهارده، كنت حاسة إني متعصبة، كل ما بحس إني متعصبة بروح قدام البحر، برتاح وأنا قدامه.

كلمني دكتور حسن عشان أروحله، ووداني أوضة مليانة ورق أصفر متلزق على الحيطة، قلتله: إيه الورق الأصفر ده؟

قالي: دي أوضة كل واحد بيكتب فيها اعتراف، بيكتب فيها اعتراف بحاجة هو عملها أو حاجة حاسس بيها وما بيقدرش يقولها، ومش عنده الجرأة إنه يقولها.

اتحمست، وجالي فضول أعرف أسرار الناس، وبدأت أقرأ الورق المكتوب، وكانت أول ورقة محتواها: أنا حبيته بس هو أتجوز أختي.

اتصدمت من المكتوب وأنا بحاول أدرك إللي قريته، هي بتحب جوز أختها، إللي هو في الحقيقة حبيبها هي، بس هو سابها واختار من بين كل الستات إللي في الكوكب أختها عشان يوجع قلبها بيها.

مكنتش قادرة أستوعب إن في حد بشع بالطريقة دي، مش قادرة برضه أستوعب إن أختها عارفة إنه كان حبيبها، وبرضه اتجوزته، ما قدرتش أستوعب بجد، قعدت أوهم نفسي إن أختها ما تعرفش.

وبدأت أقرأ الورقة التانية، وكان محتواها: أنا من دولة محافظة وعايشة في الغربة، عملت علاقة مع واحد حبيته هنا، واكتشفت إني شايلة طفلة في بطني نتيجة حب مرفوض، وسابني، استنيت لحد لما خلفت ابني وسبته قدام بيت من البيوت ومشيت.

قلبي وجعني لما قريت، ما كنتش عارفة أشتمها وأدعي عليها ولا أشتم إللي وعدها إنه يتجوزها وسابها في الآخر، وإفتكرت مقولة بتقول: كل ذكر يقدر يكون أب، بس مش كل أب يقدر يكون راجل.

رحت أقرأ الورقة التالتة، وكان محتواها: بنتي ماتت، وأنا متت معاها، بس بحاول أمثل إني عايشة.

كنت مش طايقة الأوضة ومش قادرة أستوعب كمية الإعترافات البشعة إللي بقراها، لكن فضولي خلاني أكمل، ورحت على الورقة الرابعة وكان محتواها: كنت بحبها أوي، خطفتها وإغتصبتها، بس هي ما حبتنيش أبدًا فسبتها.

بعد ما قريتها حسيت إني مش قادرة أتنفس، إزاي هو حيوان كده؟

الورقة الخامسة كان محتواها: حبيته وسابني.

هو ده الطبيعي يا حبيبتي، إن حد يحب التاني أكتر من المفروض، ويديله كل حاجة من غير ما ياخد منه أي حاجة، وبيعديله وما بيشوفش عيوبه، مع إن عيوبه كتير، بس بيستحملها عشان بس يسمع صوته إللي بيحبه أو يبص على عينيه، هو ده الطبيعي في الحب يا حبيبتي.

وفضلت أقرأ في الإعترافات، واحد ورا التاني ورا التالت، ودكتور حسن واقف جنبي عمال يبص عليا وقال: البشر هم أكتر ناس مؤذية على وجه الأرض، هو أحسن حاجة الإنسان وأوحش حاجة في نفس الوقت، كل واحد مننا نصه طيب والنص التاني شرير، الإنسان شيطان عنده ضمير، إحنا مش زي الملايكة، عشان كده ربنا خلقنا مش ملايكة، لو كان عايز يخلقنا ملايكة كان خلقنا.

ربنا عنده عدد لا نهائي من الملايكة بيسبحوه وبيشكروه وبيعبدوه ليل ونهار من غير كلل أو ملل، بس ربنا خلقنا إحنا عشان إحنا مختلفين، عندنا شر جوانا، زي ما رسول الله قال: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابين.

ربنا عايزنا نغلط عشان يسامحنا.

فضلت أسمع دكتور حسن، مع إني مش متفقة معاه في كام حاجة من إللي هو بيقولها، بس أنا متأكدة إنه لو أنا ما كنتش بنت قوية عندي أسس ثابتة ومبادئ وأفكار وعقيدة، كنت صدقت كل كلمة قالها.

دكتور حسن شاطر جدًا في الإقناع، وشطارته وعلمه وقد إيه هو مثقف، كل دي حاجات كانت بتلفت انتباهي فيه.

اليوم خلص، كنت عايزة أروح بيتي وأكتب كل إللي أنا فاكرة من الإعترافات إللي قريتها وأبدأ أعمل تحليل للشخصية، وكنت عايزة أقرأ اعترافات أكتر، كنت عايزة أشوف كل الذنوب والحاجات الوحشة إللي بنعملها في بعض، مش شرط ناس غريبة، ممكن يكونوا أقرب الناس لينا: أخونا، أختنا، أُمنا، صاحبنا، وإحنا مش حاسين بنأذيهم.

قد إيه مرعب إنك تصحى من النوم وتلاقي نفسك ما تعرفش حاجة عن حد كنت فاكر إنك عارف عنه كل حاجة.

إياك تقول أنا عارف الشخص ده كويس أوي، عشان هتتصدم من الحاجات إللي إنت ما تعرفهاش.

لقيت عمر واقف قدام البيت، فتحت الباب ودخلنا، ما اتكلمش ولا كلمة، من شكله كان زعلان وحزين، أو يمكن… شكرًا تاني يا رب، أتمنى ما يكونش سكران.

سألني عملت إيه في أول يوم شغل ليا، وما قدرتش أعرف من عينيه ولا من صوته هو مهتم يعرف ولا لا، بس مع ذلك حبيت أحكيله إللي حصل النهارده.

حكيتله من أول اليوم لآخره، وكنت عايزة أذكر اسم دكتور حسن كل شوية عشان أخليه يغير عليا، عشان أعرف هو بيغير زي البني آدمين ولا ما بيحسش، بس شكله كان زعلان، وما قدرتش أعمل نفسي مش مهتمة بحالته وسألته: فيك إيه؟

عمر: ما فيش حاجة، إنتِ بس وحشتيني، اليوم من غيرك بيكون طويل ومش بيرضى يمر بسرعة.

مسك إيدي وباسها وقال: سلمى.

ما كنتش مستعدة إني أرد عليه، حتى كنت بتخانق مع نفسي: هو أنا المفروض أشد إيدي منه وأضربه بأي حاجة قدامي ولا أسكت وأسكت وأسيبه براحته؟

قعد قدامي وطلع سيجارة وبدأ يشربها، طول عمري بكره الناس إللي بتشرب سجاير، وكان نفسي إني أتجوز واحد ما بيشربش سجائر عشان يبقى قدوة لعيالي، بس للأسف، حبيت راجل بيعمل كل حاجة مش بحبها، بيعمل كل حاجة حرام، بس حبيته، أعمل إيه؟ حبيت حتى ريحة السجاير عشان بس هي خارجة منه، من أنفاسه.

قعدت أبص عليه وأنا من جوايا بعيط، هو ليه الحب صعب كده؟ ليه لازم ما أعترفش بكل حاجة جوايا دلوقتي؟ ليه ما ينفعش إني أحضنه وأنا بعيط؟ ليه كل حاجة متكلكعة ولازم خطوات وترتيب؟ سألته من غير ما أحس: هو إنت لو حبيت حد هتعترفله؟

لتكملة القصة اضغط السهم بالاسفل

هل كان المحتوى مفيداً؟

شكرا لك
nour nagey
nour nagey