بوابة الأمل

بوابة الأمل

تحركت أريج ذات السبعة والعشرين عامًا، نحو مرآة تسريحة غرفتها وهي تُكمل ارتداء ملابسها الثقيلة، تناسب أجواء الشتاء القارس، عقدت العزم على الخروج ليلاً رغم انهمار المطر منذ الصباح، علها تهرب من الاختناق الذي يحيطها في ذلك التجمع العائلي الذي باتت لا تطيقه، لم تعد تحتمل نظرات الاستهجان والشفقة ولا كلمات السخرية التي تتلقاها كلما اجتمعت مع عائلة والدتها؛ تلك العائلة التي لطالما تمنت أن تقاطعها، لكنها كانت تفرض وجودها في حياتها عنوةً تحت حجة أن والدتها مطلقة وأنها اختارت الطلاق دون الرجوع إليهم، منذ ذلك الحين قرر إخوتها الذكور أن تكون حياتها رهينةً لسلطتهم، حاصروها في شقة صغيرة في الطابق السفلي من البناية، يتحكمون في تفاصيلها كما لو كانت طفلة لا حول لها ولا قوة.

فتحت الباب والدتها حفصة، امرأة خمسينية هزيلة الجسد منهكة الملامح، تلاحقها الخيبات أينما حلت وكأنها قدر مكتوب عليها، دخلت بخطوات متثاقلة وعيناها الذابلتان تتأملان ابنتها التي تشبهها كثيرًا في الوجع أكثر من الملامح، ابتسمت بحزن وقالت بصوت مبحوح أنهكه الاستسلام:

قد يعجبك ايضا
قصص قصيرةوجهان للحب!

وجهان للحب!

حين حل المساء باسطًا سلطته على السماء فأظلمها، أنهى أعماله أخيرًا وقرر أن يقتطع وقتًا للمتعة، توجه "يزن" نحو احد...

-بردو يا بنتي مُصرة تخرجي؟

رفعت أريج عينيها نحوها عيونٌ طالما غمرتها دموع واهنة لا تكاد تجف حتى تعود لتزور وجنتيها في صمت، فكانوا يلقبونها بين أنفسهم بـ “الفتاة الباكية”، مسحت دموعها سريعًا وردت بنبرة حاسمة تخفي تحتها انكسارًا دفينًا:

-ايوه، كده أحسن ليا وليهم.

اقتربت والدتها وجلست على طرف الفراش، تراقبها بعينين متوسلتين يغلبهما العتاب ثم قالت بنبرة أم تجرعت الهزيمة في صمت:

-يا أريج يا حبيبتي افهميني وافهمي كلامي صح، مش عايزاكي تبقي نسخة مكررة مني يا حبيبتي، اقعدي وواجهي نظراتهم عادي، متخليش دايمًا الهروب حل ليكي.

استدارت أريج نحوها وابتسامة ساخرة ارتسمت على وجهها الشاحب قبل أن تعود إلى المرآة لتجفف بقايا دموعها المتمردة:

-بقولك يا ماما أنا سمعت كلامك كام مرة؟! وكل مرة بسمع منهم ضحك وكلام من تحت لتحت مالوش صنف اللازمة، ماما انتي رضيتي إنك تقعدي وتسمعيلهم، رضيتي تقعدي وتسمعي تأنيب ضمير المفروض أنك مالكيش ذنب فيه، رضيتي بأنهم يفرضوا عليكي سجن والأسم إنك مطلقة، أنا عمري ما هرضى ولا هوافق ولا هسمح لحد فيهم يجرحني.

لكنها فقدت سيطرتها على غضبها وفجأة جذبت حقيبتها بعصبية وهتفت بصوت مرتجف لكنه حاد:

-كان حد فيهم وقف لـ آدم ابن اخوكي وزعقله على اللي عمله معايا؟ كان حد فيهم اتدخل وقاله عيب دي مهما كانت بنت خالك وعرضك وشرفك ومينفعش تفضحها كده؟! كلهم منظر بس على الفاضي، سلام ولما يمشوا قوليلي، أنا هقعد في الكافية اللي على أول الشارع بتاع عز جارنا.

أمسكت بحقيبة ظهرها التي وضعت فيها حاسوبها المحمول وبعض دفاتر عملها، فهي تعمل مهندسة برمجة عن بُعد لصالح إحدى الشركات، غادرت الشقة وحمدت ربها أنها تسكن في الطابق السفلي، كي لا تضطر للمرور من أمام باقي عائلتها أو حتى النظر في وجوههم.

لكن الأقدار أبت أن تمنحها راحةً كاملة، حيث وقفت أمامها منة ابنة خالتها فتاة مغرورة تحمل في يدها كيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالتسالي، وضعت حبة لب في فمها ونظرت إليها بابتسامة متشفية وقالت بسخرية واضحة:

-الله انتي رايحة فين يا أريج ده احنا جايين وناوين نسهر عندكم ونتسلى….

توقفت برهة ثم أطلقت ضحكة خفيفة متصنعة قبل أن تضيف بنبرة متهكمة تُقطع القلب:

-نتسلى مع بعض.

كانت كلماتها كطعنة مسمومة، تذكرها بيومٍ أسود في حياتها؛ اليوم الذي استطاعت فيه منة أن تقتنص خطبة آدم بخدعها في نفس اليوم الذي فضحها فيه أمام العائلة كلها بلا رحمة.

لم ترد أريج عليها اكتفت بنظرة غاضبة تمتلئ كرهًا واحتقارًا، ثم تجاوزتها مسرعة تكاد تسبق دموعها قبل أن تخونها وتسقط، وضعت قلنسوة سترتها الشتوية فوق رأسها تكاد تختبئ من الدنيا كلها أسفلها.

وحين دخلت الكافية أخيرًا جلست في مقعدها المفضل أمام نافذة زجاجية كبيرة تطل على الخارج، لم ترفع القلنسوة وأخرجت حاسوبها المحمول من الحقيبة وفتحت بعض الملفات تتظاهر بالعمل، بينما كانت في الحقيقة تبكي في صمت، تسترجع في مخيلتها أقسى الذكريات وأثقلها على روحها…ذكريات جعلتها تشعر وكأن المطر بالخارج ليس إلا امتدادًا لدموعها في الداخل.

                             ★★

اندفعت حفصة إلى الخلف مذعورة وقد تجمدت ملامحها تحت وقع الصدمات المتتالية، بينما كان زوجها مصطفى ينهال عليها بصفعاتٍ قاسية، وملامح وجهه مشدودة بغضبٍ طاغٍ، وصوته يعلو كالرعد:

-رايحة تفضحيني يا حفصة وتقولي لاخواتك واهلي، انتي كده ست عاقلة يعني؟ وبتحافظي على أسرار بيتك.

تراجعت حفصة وهي ترتجف وقد أجهشت بالبكاء، وانفجرت كلماتها بحرقةٍ مكتومة كأنها تخرج من صدرٍ أثقلته الخيانة:

-أسراري بيتي؟! انت بتخوني وعايزني اسكت واعتبرها اسرار بيت؟!

انحنى مصطفى بجذعه نحوها يقابل صرخاتها بصرخةٍ أشد وقعًا وصوته يختنق بالغضب:

-اه يا حفصة حافظي على جوزك، المفروض تحفظي لسانك اللي عايز قطعه.

نهضت حفصة واقفة وملامحها تغلي بالغضب والخذلان، والدموع تنحدر على وجنتيها بلا انقطاع:

-أنا زهقت منك ومن عيشتك ومن خيانتك ليا، انت إيه يا شيخ مفيش رحمة ولا إحساس بيا أبدًا، زعلان عشان روحت اشتكيت لاهلك من خيانتك ليا، زعلان عشان طلبت من اخواتي يتدخلوا ويتكلموا معاك، مين المفروض يحافظ على بيته أنت ولا أنا؟ مين رد وقول يا مصطفى؟

لكن مصطفى لم يجب بل اندفع نحوها ممسكًا معصمها بعنفٍ أدمى روحها قبل جلدها وصوته يزأر في أذنها:

-طالما مش طايقة عيشتك مكملة ليه؟ وبصي بقى أنا مش هسكت وهفضل زي ما أنا عاجبك على كده تمام، مش عاجبك الباب يفوت مية جمل.

تجمدت حفصة للحظة وكأن الهواء قد انقطع من حولها، ثم نظرت إليه بعينين دامعتين ونبرةٍ يختلط فيها القهر بالعزم:

-خلاص طلقني يا مصطفى، أنا خلاص مبقتش حمل عيشة زي دي، حرام اقعد استحمل كل ليلة راجع بتخوني مع واحدة شكل.

رفع مصطفى يده ببرودٍ لا يناسب الموقف وكأنه يتخلص من عبءٍ ثقيل وقال بلهجةٍ حاسمة:

-انتي طالق يا حفصة وبالسلامة.

ساد صمت ثقيل كالموت، لم يسمع كلاهما سوى أنفاسٍ متقطعة وارتجافٍ مكتوم يأتي من زاويةٍ مظلمة في الصالة، لقد كانت ابنتهما الصغيرة تنكمش في أحد الأركان، عيناها تلمعان بالخوف، وجسدها يرتجف من الفزع وهي تراقب مشهد انهيار عالمها الصغير، رأت والدتها تُضرب وسمعت صراخ أبيها واعترافه بخيانته…ولم تدرك طفولتها بعد معنى ما يجري لكنها شعرت أن شيئًا عظيمًا قد انكسر داخلها ولن يعود كما كان أبدًا.

                             ★★

عادت أريج من أعماق ذكرياتها الأكثر وجعًا إلى واقعها الحالك، وكأن الزمن جرها من بين أنياب ماضيها ليضعها أمام حاضرٍ لا يقل قسوة، رفعت نظرها نحو زجاج المقهى الملطخ بقطرات المطر المتساقطة، تتابع انحدارها بخطوط متكسرة وكأنها ترى في انسيابها صورة قلبها المنهك، أطلقت تنهيدة طويلة مثقلة بما لا يُقال، قبل أن تهتز فجأة حين انقطع سيل أفكارها بيدٍ وضعت أمامها كوبًا من القهوة الساخنة.

رفعت عينيها المتعبتين في بطء لتلتقي نظراتها بنظرات عز جارهم وصاحب الكافية نفسه وهو يضع مشروبها المفضل أمامها بابتسامة خافتة، أسرعت تمسح دموعها بإصبع مرتجف، محاولةً إخفاء ضعفها ثم همست بخفوتٍ حاولت فيه اصطناع اللامبالاة:

-شكرًا.

لكنها فوجئت به يسحب المقعد المجاور لها ويجلس بثقة لا تخلو من دفءٍ خفي، ثم قال بنبرته الرخيمة التي تحمل شيئًا من اللوم:

-لسه بردو مفكرتيش؟

ارتفع بصرها إليه بحدة وتحولت عيناها من بريق الانكسار إلى وهج التحدي وكأنها استجمعت كل ما بقي من قوتها لمواجهته:

-أفكر في إيه؟!

خفض رأسه قليلًا قبل أن يبتسم ابتسامةً ساخرة كمَن يعرف الجواب مسبقًا ثم قال بهدوء يشي بعناد:

-هو أنتي بتحبي يا أريج تسمعي كل مرة مني وأنا بقولك عايز اتقدملك عشان…

قاطعته أريج بحدة وقد اشتعلت نبرتها بنيران الخذلان والغضب المكتوم:

-لا مابحبش، وأسمي بشمهندسة أريج، فـ لو سمحت يا أستاذ عز ما ترفعش الألقاب تاني ما بينا، وبعدين أظن أن مفيش رد عليك، يبقى أنا….

وقف عز فجأة بجسده العريض وطوله الفارع، يقطع كلماتها دون استئذان ثم رسم على شفتيه ابتسامة مقتضبة تخفي غضبًا كامنًا:

-يبقى شكلك متضايقة ومينفعش تتكلمي في حاجة زي دي يا….يا بشمهندسة، أسيبك تهدي وتفكري تاني في طلبي.

رفعت أريج نظرها نحوه والغضب يشتعل في ملامحها كجمرٍ يتوهج تحت رمادٍ خادع، ثم قالت بنبرةٍ متماسكة رغم رعشة روحها:

-لا مش هفكر في طلبك يا عز، ولو سمحت متقوليش تاني عشان مبطلش آجي الكافية بتاعك تاني.

انحنى عز بجذعه للأمام واستند بكفيه إلى الطاولة أمامها ثم قال بصوتٍ هادئٍ على نحوٍ صادم، صوته يشبه مَن يُلقي بالحقيقة لا ليعتذر بل ليثبتها:

-تيجي أو ماتجيش مش ده اللي هيمنعني من حاجة عايزاه، وبعدين انتي بتيجي هنا عشان بتلاقي راحتك وهدوئك، فصعب تلاقي مكان زي ده وتكوني قاعدة مرتاحة فيه، وواثقة إن مفيش حد هيتعرضلك.

انكمشت ملامحها بضيقٍ شديد وهي ترد بحدةٍ مكبوتة:

-ما أنت بتتعرضلي اهو إيه الفرق؟!

ابتسم عز ابتسامة خفيفة أقرب إلى ابتسامة رجلٍ يعرف حجته ثم قال بثبات:

-الفرق إن مش بعاكس ولا واحد فاضي مثلاً وقاعد بسلي وقتي، أنا راجل وداخل جد ومستني موافقتك عشان اتقدم رسمي….

ثم اقترب أكثر حتى شعرت بحرارة صوته تتسلل إلى أذنها، وهمس بنبرةٍ رجولية رزينة خالية من المواربة:

-أنا مابلعبش بيكي يا أريج، ولا عايز أدمرك زي ما أنتي حاطة في دماغك، ولا كل الرجالة زي والدك ولا….ولا آدم.

سقطت كلماته الأخيرة عليها كصاعقة، حدقت فيه بذهول وقلبها يخفق بعنفٍ بين جنباتها، كيف يعرف عز ما فعله والدها وسبب طلاق والديها؟ ولكنها اهتدت إلى إنه بحكم الجيرة، فبناية عائلة عز لا تبعد سوى بنايتين عن منزل والدتها، لكن آدم؟! كيف عرف قصتها معه؟ هل وصل به الأمر إلى فضحها بين الجيران أيضًا؟!

اشتعل صدرها بنارٍ حارقة لم تستطع كتمها، فخرج منها آهٍ مكتومة تجرح الحلق قبل أن تنزلق مع دموعها، تراجعت في مقعدها وهي تحاول لملمة شتات روحها، لكن عبثًا…فقد بدأ هيكل ثباتها يتصدع، قطعة بعد أخرى، لقد ظنت أن آدم اكتفى بفضحها داخل محيط العائلة وتحملت السخرية واللوم والهمز واللمز من أقرب الناس إليها، لكن أن يمتد أثر الخيانة ليطال محيطها الخارجي أيضًا؟! لا…هذا كثير عليها أكثر مما تحتمل.

جلست صامتة تحدق في فنجان قهوتها الباردة، فيما بداخلها عاصفةٌ تشتد تنذر بانهيارٍ وشيك لكل ما كانت تحاول التمسك به من كبرياء وصمود.

                            ***

بعد مرور يومين..

نهضت أريج من فراشها بتثاقلٍ شديد وقد غلف الإرهاق ملامحها، وبدت عيناها مثقلتين بالسهر، قضت الليل بأكمله غارقة في دوامةٍ من التفكير الذي لا ينتهي…التفكير في كل شيء، في والدها الخائن الذي غاب عنها قلبًا وقالبًا، وكأنه لم يكن يومًا أبًا لها، لم يسأل عنها ولم يحاول الاطمئنان عليها، وكأنه قد طوى صفحة وجودها تمامًا، اكتفى بالزواج من امرأةٍ أخرى يدعي أنه يحبها، واستقر معها في حياةٍ جديدة تاركًا خلفه أنقاض بيتٍ لم يلتفت إليه.

تذكرت اللحظة التي واجهته فيها يومًا لتفهم سبب خيانته لوالدتها، لكنها لم تجد فرصة فقد اعترضتها عمتها وأوقفتها ببرودٍ قاسٍ قبل أن تلفظ تلك الجملة التي حفرتها في قلبها كالسكين:

“أصل أبوكي مكنش بيحب أمك وكان متجوزها غصب عنه، فطبيعي يا حبيبتي اللي ما يملاش القلب مايملاش العين، عشان كده كان بيبص لبرة، فمصدق طلق أمك واتجوز واحدة هو حاببها”

ارتسمت على شفتي أريج ابتسامة ساخرة، ابتسامة مَن يدرك أن الخيانة أصبحت تُبرر بكل بساطة وكأن الألم الذي زرعه والدها في قلوبهم لا يستحق حتى الإدانة، انتفضت من شرودها حين قطع أفكارها صوت طرقات ناعمة على باب الغرفة، ثم دخلت والدتها وهي تحمل على وجهها ابتسامةً حانية وكأنها تحاول إخفاء جرحها القديم لتزرع في ابنتها بعض الطمأنينة:

-صباح الخير يا جيجي نمتي كويس؟

هزّت أريج رأسها نفيًا وهي تعتدل ببطء لتجيب بصوتٍ متعب خافت النبرة:

-لا…شكل ده داخل عليا دور برد.

اقتربت منها والدتها بخطواتٍ سريعة ثم أخرجت من أحد الأدراج علبة دواءٍ صغيرة وقالت بنبرةٍ حانية:

-طيب قومي افطري، وخدي دوا البرد، عشان نلحق نطلع لخالك هشام نتطمن عليه أصله تعبان اوي.

رفعت أريج عينيها باستنكار وكأن شيئًا ثقيلًا قد سقط على قلبها فجأة، ثم قالت بلهجةٍ قاطعة:

-لا أنا مش هطلع بيتهم يا ماما، اطلعي انتي لو عايزة تطلعي.

تغيرت ملامح والدتها وارتفع حاجباها غضبًا، بينما قالت بنبرةٍ حاولت كبح حدتها:

-أريج ماتعصبنيش على الصبح، اسمعي كلامي واتطلعي معايا فوق لو سمحتي، كل العيلة والجيران طلعوا سألوا عليه إلا أنتي، وأنا مش عايزة حد يقول عليكي قليلة الأصل ومسألتيش على خالك وهو تعبان.

لكن أريج ظلت على عنادها ترد بحزمٍ لا يخلو من الجرح:

-ما اللي يقول يقول يا ماما هو أنا هاخد إيه من كلامهم، وبعدين انتي عارفة كويس أني عمري نا هخطي باب الشقة اللي فوق دي أبدًا.

قالتها وهي تنهض من الفراش بعنف، وكأنها تخلصت من قيودٍ خفية كانت تكبلها، نظرت إليها والدتها لحظة صمتٍ قصيرة، ثم جلست على الأريكة أمامها وراحت دموعها تنساب في ضعف تستنجد بقلب ابنتها:

-ياعني يا ربي حظي ليه كده بس في الحياة، مكتوب عليا التعب والهم، وبنتي الوحيدة مابتسمعش كلامي ولا بتريح أمها، يا بنتي هسمع كلام هيضايقني، أصلك ماعرفتيش تربيها يا حفصة، هي لو عندها أصل وذوق كانت طلعت سألت على خالها.

رفعت وجهها الغارق بالدموع وأكملت بنبرة عتابٍ أثقلتها الخيبات:

-كام مرة خالك تعب يا أريج وكنت اقولك اتطلعي وانتي تتجاهلي كلامي وترفضي، واطلع أنا اسمع كلام في جنابي زي السم واعدي واقول معلش، بس خلاص تعبت وزهقت، هي زيارة خمس دقايق وانزلي تاني بس ارحميني من كلام خالاتك وخيالانك.

ألقت أريج المنشفة على الفراش بعنفٍ مكتوم، ثم قالت بنبرةٍ يغلي فيها الغضب والخذلان:

-حاضر يا ماما….هطلع عشان يتسم بدني، حاضر طالما راحتك في كده.

ثم أمسكت بالمنشفة مرة أخرى ومضت بخطواتٍ مسرعة نحو دورة المياه، كأنها تحتمي بجدرانها لتفر من غضبها المتفاقم ودموعها التي باتت قريبة من الانفجار، أما والدتها فظلت جالسة على حافة الأريكة تضم يديها إلى صدرها، بين حزنٍ على ابنةٍ تحمل أكثر مما تحتمل، وعجزٍ عن تضميد جراحٍ لم تلتئم منذ سنوات.

                              لتكمله القصه اضغط السهم بالاسفل

هل كان المحتوى مفيداً؟

شكرا لك
admin
admin